حضرت نشاط يوم اليتيم في مؤسسة رعاية المشلولين قسم الضيافة للبنات فكان من ضمن الفقرات المسرحية مشهد بعنوان (معاناة اليتيم في المدرسة) وهذه المشاهد من إعداد الفتيات أنفسهن وحقيقة كان المشهد فضلاً على أنه مؤثر فهو مستفز حتى أنني توقعت أن هناك مبالغة في الطرح فالمشهد كان يتحدث عن أحوال بنات قسم الضيافة في المدارس وكيف أن بعض المعلمات - يعايرن - بنات الضيافة بأنهن بنات دار وأن وضعهن الاجتماعي منحط ويسيء للمدرسة ويؤثر سلباً في الطالبات الأخريات لذا فهناك مطالبات من بعض المعلمات والمديرات بإخراج بنات الدور الاجتماعية من المدارس حتى لا تنقل أخلاق بنات الدار إلى طالبات المدارس!! ويبدو أن هذا الوضع يشكل معاناة عميقة في نفوس بنات قسم الضيافة فقد أدته البنات بتلقائية وحماس حتى أنني سألت عن مدى واقعية المشهد فعرفت أنه حصل فعلاً مع أكثر من بنت من بنات الضيافة!! وحقيقة أن هذا الوضع كارثة فكيف بمعلمة وكلمة معلمة معناها أنها مصدر التعليم ليس فقط تعليم ما في الكتب بل الأخلاق والآداب مما جعل التربويين وغيرهم يطالبون دائماً بأهمية تدريب وتأهيل المعلم وتجديد معلوماته ليس فقط في تخصصه وإنما في أحوال الإنسان والحياة رغم أن فئة بنات الضيافة لا يحتاج للتعامل معهن للتعليم والتنبيه فهم في حكم الأيتام أياً كان وضعهم فمن فقد والديه سواء بالموت أو غيره فهو يتيم حسب رأي معظم العلماء علاوة على أن هؤلاء الفتيات لا ذنب لهن فيما هن فيه؟!
نحن لم نختر أسماءنا فكيف بأهالينا؟! ولماذا تغلب مقولة العرق دساس على قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وإن كانت المسألة ستقف عند العرق دساس فما الدليل أن هذه أو ذاك من مجهولي الوالدين عرقهم سيئ أليس من الممكن أن يكون أهل هؤلاء من علية القوم وأهلم يشار لهم بالبنان وبسبب خطيئة كان مصير هذه الفتاة أو ذاك الشاب ما هما فيه؟! أصعب ما في الأمر أن يصدر النبذ والتحقير من معلمات داخل سور تعليمي!! أعتقد أن لوزارة التربية والتعليم (التربية أولاً) دوراً في هذا الوضع صحيح أنه من أصعب الأعمال أن تغرس الإنسانية والرحمة في نفس جافة وعقل باهت لا يتفكر في تدابير الله في أرضه ومخلوقاته ولكن هذه الفئة تحتاج منا جميعاً مد يد العون وليس فقط من وزارة الشؤون الاجتماعية فليس من المعقول أن تعمل وتجتهد الاخصائية داخل الدار لتبني شخصية هذه الفتاة التي قد تحقد على من حولها بدءاً بوالديها المجهولين أو حتى المعروفين وانتهاءً بأفراد المجتمع الذين لا ينظرون لها إلا أنها تسكن في دار الأيتام وتحاول الاخصائية مراراً حتى تصالحها مع المجتمع وتأتي معلمة أو مديرة وتهدم بكلمة لا إنسانية كل هذا البناء!!
بالمقابل هناك الخيّرات من منسوبات التعليم ففي الحفل ذاته رأيت إحدى بنات قسم الضيافة تجلس بجانب فتاة تماثلها في العمر وبجانبها إحدى المدعوات فسألت عنها فعرفت أنها مديرة المدرسة التي تدرس فيها بنات الضيافة وابنتها التي تجلس بجانبها وهذه المديرة كتلة من الإنسانية والرحمة فلا أحد في المدرسة يعلم عن وضع ابنة الضيافة إلا هي وقد احتوتها كوالدة لذا فابنتها هي أقرب صديقة لابنة الدار ..
فإليها وأمثالها تحية إكبار وإجلال. بعض الناس لديهم غباء متأصل يجري في دمائهم فالخير لا يحتاج إلا القليل من القول والفعل ومع هذا يبخلون به رغم قلته!!