تأتي الإجازة الصيفية وتأتي معها الشكوى من وقت الفراغ، وكأننا خلقنا للدراسة، فإن لم تكن هناك مدارس وجامعات فلا نستطيع أن نستغل أوقاتنا فيما يفيدنا وينفعنا، خاصة أن هناك محاور هامة في بناء شخصياتنا تحتاج إلي إنماء وعناية واهتمام.. تطغى عليها الدارسة ونظمها فيكون الصيف فرصة لإحياء ما قد مات وإعلاء ما قد اندثر.
إن العلم بمعناه أوسع من الدراسة سواء المدرسية أو الجامعية، والثقافة رحبة من أجل توسيع الآفاق وارتياد عوالم جديدة، والعلم مجال للاحتكاك بالحياة بصورة فعالة وعملية، والهوايات أدوات للمتعة والتسلية مع اكتساب مهارات جديدة، والسياحة والتطواف والتعرف على أناس جدد وبيئات جديدة.. كل ذلك أو بعضه يعتبر محاور للحياة يجب أن يرتادها الإنسان ليس لملء فراغ وقت الصيف، ولكن لنصبح بشرًا حقيقيين فاعلين متفاعلين.
وأقصد بالعلم هنا هو ما يرى الإنسان أنه في حاجة إليه بمحض إرادته لرفع كفاءته أو لصقل موهبته لاستكمال نقص يراه في نفسه، وقد تكون علوم اللغة والكمبيوتر هي أشهر مثال على هذا العلم بحيث يلتحق الشخص بدورات اللغة التي يراها مفيدة له في مجال دراسته أو عمله أو مستقبله بصورة عامة، وأيضا دورات الكمبيوتر بمستوياتها المختلفة سواء الأساسية أو المتخصصة كل حسب مجال دراسته أو عمله.
ويأتي عمل برنامج ثقافي للنفس في أحد مجالات المعرفة أو في أي منها، كأن يرى الإنسان أنه يحتاج لاستكمال ثقافته الدينية مثلا، فيضع برنامجا لنفسه للقراءة أو الاستماع أو حضور دروس أو مجالس علم فيما يراه ناقصا في ثقافته الدينية، وهكذا في كل علوم المعرفة كل حسب احتياجه وميوله.
وقد يبدو العمل كإحدى وسائل الاستفادة من الإجازة الصيفية.. وسيلة غريبة على أساس أن مفهوم الناس عن الإجازة والاستفادة منها لا يبدو ترفيهيا. والحقيقة أن العمل كوسيلة للخروج للحياة العملية، والتعرف على أنماط البشر، والتدرب على مواجهة مواقف الحياة، والقدرة على اكتساب المال وحسن التصرف فيه، والإحساس بقيمته، بل والسعي إلى تحمل مسئولية النفس وتخفيفها عن كاهل الآخرين.. هذه الوسيلة تجعل العمل يبدو كأفضل البدائل المرشحة لشغل وقت الصيف.
وتأتي الهوايات بأشكالها المختلفة، سواء كانت القراءة أو الرياضة أو الصيد أو أي هواية تخرج الإنسان من حياته الروتينية إلى حياة يحبها ويحقق جزءا منها في ساعات الانفراد بهوايته.. تأتي الهواية كإحدى الوسائل التي تحتاج إلى إعادة إحياء في نمط حياتنا؛ حيث إن كل من أصبح له هواية أو اهتمام يخصه كجزء من غياب القدرة على الاستمتاع بالحياة بصورة عامة أو رؤية ذلك كجزء من الرفاهية الزائدة عن الحاجة.
وتأتي السياحة - داخلية أو خارجية - كإحدى خطط صيف مثمر بالرغم من أن البعض قد يعتبرها هواية، يأتي ذلك تأكيدًا على أهمية التعرف الواقعي المباشر عن بلادنا أولا ثم على بلاد الآخرين والتعرف على الناس.. التعرف على الأماكن والتعرف على الثقافات والعادات والأفكار حين تمشي على الأرض بدلا من رسم صور خيالية عن الآخرين قد تزيد غربتنا عن عالم لا يستطيع أحد أن يعيش فيه وحيدا.
الخلاصة أن وقت الصيف هو وقت الحياة الحقيقية للشباب الذي ينطلقون فيه بحرية من أجل صقل شخصياتهم وإنضاج تجاربهم، فلا يجب أن يضيع في الشكوى من الفراغ.