النعماني بوابة كل العرب |
|
| روية بنات الرياض | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: روية بنات الرياض الخميس يونيو 05, 2008 9:19 am | |
| <hr style="COLOR: #f5f5f5; BACKGROUND-COLOR: #f5f5f5" SIZE=1> .الجزء الأول *
إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . سورة الرعد : 11سيداتي آنساتي سادتي .... أنتم على موعد مع أكبر الفضائح المحلية , وأصخب السهرات الشبابية .محدثتكم ؛ موا ؛ تنقلكم إلى عالم هو أقرب لكم منكم مما يصوره له الخيال . هو واقع نعيشه ولا نعيش فيه , نؤمن بما نستسيغ الإيمان به منه ونكفر بالباقي .
لكل من هم فوق الثامنة عشرة , وفي بعض البلدان الحادية والعشرين , أما عندنا فبعد السادسة ( لا أعني السادسة عشرة ) للرجال وسن اليأس للفتيات . لكل من يجد في نفسه الجرأة الكافية لقراءة الحقيقة عارية على صفحات الانترنت , والمثابرة المطلوبة للحصول على تلك الحقيقة , مع الصبر اللازم لمسايرتي في هذه التجربة المجنونة . إلى كل من مل من قصص الحب الطرزاني , ولم يعد يرى أن الخير لونه أبيض والشر يرتدي الأسود . إلى من يعتقد بان 1 +1 قد لا يساوي اثنين , والى من فقد إيمانه بأن الكابتن ماجد سيسجل هدفي التعادل والفوز في آخر ثانيه من الحلقة ! إلى كل الساخطين والناقمين , الثائرين والغاضبين , ولكل من يرى أن الناس خيبتها السبت والحد , وإحنا خيبتنا ماوردتش على حد , إليكم رسائلي على تقدح الزناد , فينطلق التغيير ...
هذه ليلتي , وقصة الأمس بطلاتها " منكم وفيكم " , فنحن من وإلى الصحراء نعود , وكما تنبت نجدنا الطالح والصالح , فمن بطلات قصتي من هي صالحه ومن هي طالحة – وهناك الاثنان في وقت واحد – و " استروا على ماوجهتم " ! ولأني قد بدأت في كتابة رسائلي تجرؤا دون مشاورة أي منهن , ولأن كل منهن تعيش تعيش حاليا تحت ظل " راجل " أو " حيطة " أو " راجل حيطة " أو وراء الشمس , فقد آثرت تحريف القليل من الأحداث مع تغيير الكثير من الأسماء , حفاظا على العيش والملح , بما لايتعارض مع صدق الرواية ولا يخفف من لذوعة الحقيقة . صحيح أنني مستبيعه و " لاانتظر شيئا , لاأخشى شيئا . لاآمل في شئ " على رأي نيكوس كازانتزاكيس , إلا أن حياة صمدت على الرغم من ماستقرؤن , لا أظن أن هدمها ببضعة رسائل بريدية " بالشئ المحرز "
سأكتب عن صديقاتي فقصة كل واحدة
أرى فيها , أرى ذاتي
ومأساة كمأساتي
سأكتب عن صديقاتي
عن السجن الذي يمتص أعمار السجينات
عن الزمن الذي أكلته أعمدة المجلات
عن الأبواب لاتفتح
عن الرغبات وهي بمهدها تذبح
عن الزنزانة الكبرى
وعن جدرانها السود
وعن آلاف , آلاف الشهيدات دفن بغير أسماء
بمقبرة التقاليد
صديقاتي
دمئ ملفوفة بالقطن, داخل متحف مغلق
نقود صكها التاريخ , لاتهدى ولا تنفق
مجاميع من الأسماك , في أحواضها تخنق
وأوعية من البلور , مات فراشها الأزرق
بلا خوف
سأكتب عن صديقاتي
عن الأغلال دامية بأقدام الجميلات
عن الهذيان , والغثيان .... عن ليل الضراعات
عن الأشواق تدفن في المخدات
عن الدوران في اللاشئ
عن موت الهنيهات
صديقاتي
رهائن تشترى وتباع في سوق الخرافات
سبايا في حريم الشرق
موتى غير أموات
يعشن , يمتن , مثل الفطر ! في جوف الزجاجات
صديقاتي طيور في مغائرها
تموت , بغير أصوات
صح لسانك يانزار ياقباني . رحمك الله ومي يور ريست إن بيس . صدق من لقبك بشاعر المرأة " ومن لايعجبه ذلك فليشرب من البحر " , ففي الحب لابعدك ولاقبلك كما تقول الأغنية المعروفة , ولو ان الفضل في تعاطفك لم يكن سببه طفرة جينية في كروموسوماتك الرجالية , وإنما انتحار أختك المسكينة بسبب الحب , " ويضرب الحب شو بيذل " ! فـ" يابخت " المرحومة بلقيس , ويا " قدر حظنا من بعدك ؛ أي بالتعاسة الحظ , وأظن التعبير النجدي مشتق من حيوان القدر لكثرة تنطيطه , والذي يشبه الحظ في عملية وقوفه وانبطاحه المستمرين , او هو من حشرة القراده كما يقول البعض . للأسف , يبدو أن المرأة لن تجد نزاراها إلا بعد أن " تخلص " على إحدى أخواته لتتحول بعدها قصة الحب الجميل من فيلم أبيض واسود إلى حب في الزنزانة , ويا قلبي لاتحزن ! نكشت شعري ولطخت شفتي بالحمر الصارخ وإلى جانبي صحن من رقائق البطاطس المرشوشة بالليمون والشطة كل شئ جاهز للفضيحة الأولى .
* * * اتصلت مدام سوسن بسديم المختبئة مع قمره خلف الستار , لتخبرها ان شريط الزفة مازال عالقا , والمحاولات جاريه لإصلاحه : - ودخيلك قولي لقموره تهدي حالها ... ماصار شئ ! لساتون الناس مأربزين هون ماحدا فل , وبعدين كليات العرايس الكووول بيتاخروا شوي تيعملوا سسبنس !
قمره على وشك الانهيار , وصوت والدتها وأختها حصة اللتين تصرخان في وجه منظمة الحفل يأتي من آخر القاعة منبئا بفضيحة وليلة سوداء , وسديم مازالت إلى جانب صديقتها العروس ؛ تمسح عن جبينها قطرات العرق قبل أن تلتقي بالدموع التي تحبسها أطنان من الكحل داخل جفنيها .
يملأ صوت محمد عبده المنبعث من جهاز التسجيل القاعة الضخمة , وتصل إشارة البدء من مدام سوسن إلى سديم , التي تلكز قمره بكوعها :
- سرينا ..
تنهي قمرها المسح بيديها على سائر جسدها بحركة سريعة بعد أن قرأت المعوذتين والإخلاص ثلاثا مخافة الحسد , وترفع طرف الفستان العلوي الذي ينحسر باستمرار عن نهديها الصغير ثم تبدأ بهبوط الدرجات الرخامية بأ بطا مما تدربت عليه مع زميلاتها بالبروفة مضيفة ثانيه سادسة على الثواني الخمس التي تفصل كل خطوه عن التي تليها . تذكر الله قبل كل خطوه وتدعوا ان لاتدوس سديم على ذيل الفستان فيسقط عنها , أو أن تدوس هي على الطرف الأمامي الطويل فتقع على وجهها كما يحدث في الأفلام الكوميدية . يختلف الأمر كثيرا عن البروفة , فحينها لم يكن هناك ألف مدعوة تحدقن في خطواتها وتحصين لفتاتها وابتساماتها , ولم تكن هناك مصوره تعمي عينيها بفلاشاتها , ومع تلك الإضاءة المزعجة والأعين المثبتة عليها , يصبح الزواج العائلي الضيق الذي طالما نفرت من فكرته , أروع حلم , في ليلة من كابوس طويل
تسير سديم محنية الظهر خلف صديقتها خوفا من أن تظهر في الصور . تتابع العملية بتركيز شديد . تصلح وضع الطرحة المثبتة فوق رأس قمرة وتسحب لها ذيل الفستان بعد كل خطوة , ورادا رها يلتقط حورات على الموائد القريبة :
- من تكون ؟ - ما شاء لله ملح وقبله ؟ - أخت العروس ؟ - يقولون صديقتها من زمان . - يبدو لي أنها سنعه ودبره . من بداية العرس وهي تدور وتباشر . شايله العرس على راسها . - أحلى من العروس بكثير ! تصدقين أنا سمعت إن الرسول دعى للشينة ؟ - عليه الصلاة والسلام . إيه والله , الشيون هم اللي سوقهم ماشي هالأيام . مهوب حنا , مالت على حظنا! - فيها عرق ؟ بياضها بياض شوام مهوب بياضنا المشوهب ! - جدتها لأبوها سوريه . - سديم الحر ملي . خوالها مأخذين مننا . إذا ولدكم معزم جبت لكم الأخبار كلها .
بلغها أن ثلاث قد سألن عنها منذ بداية العرس , وهاهي ذا تسمع الرابعة والخامسة بإذنها . كلما جاءت إحدى أخوات قمره لتخبرها بأن فلانة سألت عنها كانت ترد بحياء : " سألت عنها العافية " .. يبدو أن الفرج قد حان وان زواج قمره سيفرط السبحة كما قالت لهم الخالة أم نوير , إن هي قد نفذت الخطة بدقه كما تفعل حتى الآن . سياسة ال " يالله يالله " بمد الياءين مد حركتين , أي الـ" بالكاد" هي أضمن الطرق في مجتمعنا المحافظ إلى خطبه سريعة حسب تعليمات ام نوير , " وبعدها استخفي مثل ماتبين !". في الأعراس والنزالات والزوارات وحفلات الاستقبال , حيث تلتقي النساء والعجائز منهن تحديدا – رأس المال وأمهات العيال ما تحلو للفتيات تسميتهن يجب أتباع هذه السياسة بحذافيرها : " يالله يالله تمشين , يالله يالله تتحركين , يالله يالله تبتسمين , يالله يالله ترقصين . الله الله بالعقل والثقل , لاتصيرين خفيفة ! الكلمة بحساب واللفته بحساب ... " ولانهاية للتعليمات .
تتخذ العروس مكانها على المنصة الفخمة " الكوشة " , وتصعد إليها والدتها ووالدة عريسها لتباركا الزواج السعيد وتلتقطا بعض الصور التذكارية إلى جانبها قبل دخول الرجال .
تبدو اللهجة الحجازية مميزه في مثل هذا العرس النجدي القح :
- أجدادنا الفراعنة !
يطغى تأثير الجدة المصرية على لسان لميس وشخصيتها ... تهمس في أذن صديقتها ميشل وهما تتأملان المساحيق الكثيفة أللتي تغطي وجه صديقتهما قمره , وخاصة عينيها اللتين بدا بياضهما بلون الدم من كثرة الكحل أللذي تسرب داخلهما . ترد ميشيل بالانجليزية :
- وير ذا هيل دد شئ قت ذس دريس فروم ؟! - مكسينه ياقموره , ياريتها راحت للمشغل اللي خيطت عندو سدومه بدال هالعك اللي عاملتوا بنفسها ... شوفي فستان سديم ! اللي يشوفوا يفكر انو لإيلي صعب ! - اللي يسمعك اليوم يقول في واحدة من هالمعازيم عارفه انو فستاني لباجلي مشكا ! ماحدن درى عنك ماي دير ! نو بودي كان تل ذا دفرنس إلا القليل , وهذول بالذات ماتلاقينهم في عرس قروي زي هذا , وبعدين انتي شايفه كيف الميك اب حقها مره تو متش ؟ اذا هي سمراء ليش يحطون لها فاونديشن أبيض زي الطحين ! مخلينها طالعه زرقاء ! وفيه فرق واضح بين وجهها ورقبتها . يععع ... سو فالقر ! - الساعة حد عشر ! الساعة حد عشر !! - الساعة وحده ونص ياهبلة . - لا ياتنحه ! قصدي التفتي يسارك زي عقارب الساعه لما تكون على الحد عشر ... عمركوا ماتتعلموا أصول الحش ! المهم البنت هادي .... أما عليها " مواهب "!! - أي واحده فيهم ؟ الدفع الأمامي والآ الخلفي ؟ - الخلفي ياحولة ! - تو منتش ... هاذي المروض يأخذون منها ويعطون قمره حقن من قدام ومن وراء زي الكولاجين ! - أحلى مواهب فينا حقه سديم . أحسوا إنو جسمها مره أنثوي ! ياليت عندي مواهب زيها من وراء . - صح شيز سو كير في بس يبغى لها تنحف شوي وتلعب رياضه مثلك ... أنا اللي الحمدلله مهما أكلت ما أسمن فمرتاحة . - والله يابختك ........ انا عايشه في مجاعة دائمة علشان جسمي يظل كدا .
تلمح العروس صديقتيها على طاوله قريبه وهما تبتسمان وتلوحان لها وفي عيني كل منهما سؤال تحاول إخفاءه : " لم لست مكانها ؟؟" فتنتشي في تلك اللحظات الثمينة من حياتها وهي ترى أنها – وهي أقلهن تميزا كما كانت تعتقد دائما – أول من تزوجت بينهن .
بدأت المدعوات بالصعود إلى المنصة أفواجا لتهنئة العروس بعد أن توقف التصوير , فصعدت كل من سديم وميشيل ولميس , وهمست كل منهن في أذن قمره وهي تحضنها وتقبلها :
- قمر والله ! مشاء الله . تبارك الله . طول الزفة وأنا أذكر الله عليك ؟ - مبروك حياتي .... مرة حلو شكلك . الفستان طالع عليك شئ خيالي !! - يالله ! تجنني يابت! أيش الحلاوة هادي ؟ أحلى عروسه شفتها في حياتي !__________________ | |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: رد: روية بنات الرياض الخميس يونيو 05, 2008 9:20 am | |
| تتسع ابتسامة قمرة وهي تستمع لمديح صديقاتها وترى الغيرة المخبأة في أعينهن . تقف الثلاث لالتقاط بعض الصور مع العروس السعيدة , وتجتهد سديم ولميس بالرقص حولها بينما تتفحصهما وميشيل أعين الخاطبات بتمعن . تتباهى لميس بطولها الفارع وجسمها الرشيق وهي ترقص بعيدا عن سديم التي حذرتها مسبقا من الرقص بجانبها حتى لايلاحظ الجميع قصر قامتها وعودها الريان الذي تتمنى لو تستطيع شفط بعض الدهون من أماكن معينه حتى تصل إلى مستوى رشاقة لميس أو ميشيل .
يندفع الرجال فجأة كالسهام يتوسطهم العريس راشد التنبل , باتجاه منصة العروس , فتتزاحم النساء مبتعدات وكل واحدة تبحث معها أو مع من حولها عما تغطي به شعرها ووجها المكشوف من جسدها عن أنظار الرجال القادمين .
عندما أصبح العريس ومن معه على بعد خطوات بسيطة منهن , رفعت لميس غطاء المفرش الذي يغطي الطاولة لتغطي به العاري من صدرها , وغطت توأمها تماظر ظهرها وشعرها بشال من لون الفستان , بينما ارتدت سديم عباءتها السوداء المزركشة الأطراف وطرحتها الحريرية التي اخفت بها النص السفلي من وجهها , أما ميشيل فقد ظلت على حالها وراحت تتفحص أوجه الرجال واحدا تلو الآخر غير عابثه بهمهمات النساء ونظراتهن الحارقة إليها .
صعد راشد مع أبي العروس وخالها وإخوانها الأربعة إلى المنصة , وكل منهم يحاول لمح أكبر قدر ممكن من أوجه النساء اللواتي تركزت أنظارهن على الخال الأربعيني , الذي يشبه الأمير الشاعر خالد الفيصل إلى حد كبير .
عندما وصل راشد إلى عروسه القمرة , مد يديه ليرفع الطرحة عن وجهها كما أشارت له والدته , ثم اتخذ مكانه إلى جانبها مفسحا المجال لبقية الرجال حتى يباركوا لهما زفافهما الميمون . تعالت أصوات صديقات العروس : ألف الصلاة والسلام عليك ياحبيب الله محمد ..
وتوالت الغظاريف . انصرف الرجال بعد دقائق قليله , توجه بعدها العروسان نحو قاعة الطعام لقطع قالب الحلوى , تتبعهما المقربات من الحاضرات . هناك هتفت صديقات العروس بحماس " عاو زين بوسه ! عاو زين بوسة !" فابتسمت ام راشد واحمر وجه ام قمرة , أما راشد فجحدهن بنظرة أسكتتهن في لحظه . لعنتهن قمرة في سرها لإحراجها أمامه بهذا الأسلوب , ولعنته أكثر لإحراجه إياها أمام صديقاتها بعدم تقبليها !
دمعت عينا سديم وهي ترى قمرتها وصديقة طفولتها تغادر قصر الاحتفالات مع زوجها إلى الفندق الذي سيقضيان فيه ليلتهما , ليسافرا في الغد لقضاء شهر العسل في أماكن مختلفة من إيطاليا , ينتقلان بعدها إلى الولايات المتحدة ليبدأ راشد في التحضير للدكتوراه . كانت قمرة القصمنجي أقرب إلى سديم من باقي فتيات الشلة الرباعية , بحكم دراستهما معا في مدرسة واحدة وفصل واحد منذ الصف الثاني الابتدائي , بينما لم تنظم إليهما مشاعل العبدالرحمن أو ميشيل كما يناديها الجميع إلا في السنة الثانية من المرحلة المتوسطة , بعد ان عادت مع أبويها ومشعل الصغير – ميشو – من أمريكا . انتقلت بعدها بسنه إلى مدرسه تعتمد على اللغة الإنجليزية في مناهجها كلغة أولى , لعدم إتقانها اللغة العربية التي تعد أساسيه في مدرسة قمرة وسديم . في مدرستها تعرفت على لميس جداوي ؛ الفتاة الحجازية التي تربت منذ طفولتها في الرياض , وأصبحت صديقتها المقربة , وصارت الفتيات الأربعة على اتصال دائم وعلاقة متينة , استمرت حتى بعد انتقالهن للجامعة .
درست سديم إدارة الأعمال , واتجهت لميس نحو دراسة الطب , بينما اختارت ميشيل علوم الحاسب , اما قمرة المتخرجة من القسم الأدبي بينهن , فقد احتاجت لكثير من الواسطات حتى تم قبولها لدراسة قسم التاريخ , إلا أنها خطبت بعد بداية الدراسة بأسابيع قليلة , فقررت الانسحاب من الجامعة لتتفرغ لتجهيزات الزواج , خاصة وأنها ستنتقل بعد الزواج إلى أمريكا حيث يكمل زوجها دراساته العليا
* * *
قمرة على طرف السرير , في غرفتها بفندق جورجونيه في فينيسيا . تمسح فخذيها وقدميها بمزيج من الجليسرين والليمون أعدته لها والدتها , وقاعدتها الذهبية تملأ ذهنها : " لاتصيري سهلة ..." التمتع هو السر لإثارة شهوة الرجل . لم تسلم أختها الكبرى نفله نفسها لزوجها إلا في الليلة الرابعة , ومثلها أختها حصة , وهاهي ذي قمرة تحطم الرقم القياسي ببلوغها الليلة السابعة بعد زواجها دون أن يسمها راشد حتى الآن , مع أنها كانت على استعداد للتخلي عن نظريات والدتها بعد أول ليلة معه , عندما نزعت ثوب زفافها وارتدت قميص نومها السكري الذي ارتدته مرارا قبل الزواج في أيام الملكة أمام المرآة في غرفتها , مثيرة أعجاب والدتها التي تذكر الله خشية الحسد وهي تغمز بطرفها لقمرة التي يملؤها مديح والدتها بالثقة والغرور .حتى وإن علمت أنها تبالغ فيه .
خرجت من الحمام في تلك الليلة لتجده نائما ! ومع أنها تكاد تجزم بأنة تظاهر بالنوم بعد أن التقت عيناهما للحظة خاطفة , إلا أنها صرفت عنها وساوس إبليس كما سمعتها أمها في أخر محادثه هاتفيه لهما , وكرست طاقاتها لجذبة إليها بعد أن أعلنت والدتها أن سياسة التمنع قد " جابت العيد" !
أصبحت والدتها أجراء في الحديث معها عن شؤون المرأة والرجل منذ عقد قرانها على راشد , بل إنها لم تكن تتكلم معها في أي من هذه المواضيع من قبل , تلقت قمرة دروسا مكثفة في العلاقات الزوجية من نفس المرأة التي كانت تقطع صفحات الروايات العاطفية التي كانت تستعيرها ابنتها من زميلاتها أيام الدراسة , وتمنعها من زيارة صديقاتها , فيما عدا سديم التي تعرف خالتها بدرية معرفة وثيقة من خلال " دائرات " نساء الحي قبل انتقال الخالة إلى المنطقة الشرقية .
تؤمن أم قمرة بنظرية المرأة الزبدة والرجل الشمس , ولكن ذلك قد تغير فجأة بمجرد خطبة البنت . أصبحت قمرة تستمع إلى أحاديث والدتها عن " عملية الزواج " بلذة شاب يقدم له أباة سيجارة ليدخنها أمامه لأول مرة . ...!!
هاه شرايكم شباب نواصل <<< هذا اللي ماينعطى وجه
يلا انتظرونا بالجزء الثاني قريبا جدا ..!! بس اتأكد ان فيه احد يقرأها علشان مااحس اني غبي واكتب لنفسي ..!!
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الجزء الثاني الخميس يونيو 05, 2008 9:22 am | |
| [frame="6 70"]البنات يحتفلن بقمره على طريقتهن :Subject
إما أن تكون الحياة تحديا ومغامرة, أو لأتكون شيئا أبدا.
هيلين كيلر
في البداية, رسالة صغيرة من الأخوة حسن وأحمد وفهد ومحمد وياسر, الذين أسعدوني بمداخلاتهم الجادة: لا ... مايمكن نتعرف . وبعد أن وضعت أحمري الصارخ, أكمل من حيث توقفت.
* * * بعد زفاف قمره , وضعت صديقتها الجرار الفخارية الصغيرة التي نقش عليها اسما العروسين كتذكار إلى جانب التذكارات التي وزعت عليهن في أعراس زميلاتهن , وكل واحدة منهن تتمنى أن يضاف تذكار زفافها إلى جانب بقية التذكارات عاجلا غير آجل كي لاتموت بحسرتها .
أعدت الشلة ترتيباتها الخاصة قبل حفلة العرس لعمل مايشبة الباتشلوريت بارتي التي يقيمونها للعروس في الغرب قبل زفافها . لم يردن أقامة حفل دي جي كما جرت عليه العادة مؤخرا , حيث تقوم صديقات العروس بعمل الحفل الراقص الضخم والذي قد يشتمل أحيانا على وجود مطربة (طقاقه) , ودعوة جميع الصديقات والقريبات والمعارف بدون علم العروس " أو في الغالب بعلمها مع إدعاء العكس " , وتتكفل الشلة التي تقيم الحفلة بجميع التكاليف التي لاتقل عن بضعة الألف من الريالات , أرادت الفتيات شيئا جديدا هذه المرة , صرعه من اختراعهن لتقلدهن الأخريات فيما بعد .
وصلت قمره محمرة الوجه والجسم بعد الحمام المغربي وفتلة الوجه والحلاوة , كن في اجتماع في منزل ميشيل التي ارتدت بنطا لا فضفاضا به الكثير من الجيوب مع سترة ضخمة لتخفي معالم الأنوثة منها , وطاقية " بندانة " خبأت تحتها شعرها ونظارة شمسية ملونه لتبدو كمراهق أفلت من رقابة والدية , وارتدت لميس ثوبا أبيضا رجاليا مع شماغ وعقال فبدت لطولها وجسمها الرياضي شابا وسيما ناعما بعض الشئ , أما بقية الفتيات فارتدين العباءات المخصره والمطرزة مع لثمات تغطي مابين الأنف والنحر وتبرز جمال أعينهن المكحلة وعدساتهن الملونة ونظاراتهن الغريبة .
تولت ميشيل التي تحمل رخصة قيادة دولية قيادة الجيب أكس فايف ذي النوافذ المعتمة كليا والذي تدبرت أستئجارة من أحد معارض السيارات باسم السائق الحبشي . اتخذت لميس مكانها إلى جانب ميشيل بينما تراصت بقية الفتيات وهن خمسة في المقاعد الخلفية , وارتفع صوت المسجل مصحوبا بغناء الفتيات ورقصهن .
كان محل القهوة الشهير في شارع التحلية أول محطة توقفن عندها , ومن الزجاج المظلل أدرك الشباب بفراستهم أن في الاكس فايف صيدا ثمينا , فأحاطوا بها من كل جانب ! بدا الموكب يسير نحو المجمع التجاري في شارع العليا والذي كان محطتهن الثانية , دونت الفتيات ماتيسر لهن من أرقام الهواتف التي جاد بها الشباب , أما بترديد المميز منها , أو باللوحات المعدة مسبقا لتعليقها خلف نوافذ السيارة بحيث تراها الفتيات في السيارات المجاورة بوضوح , أو بالبطاقات الشخصية التي يمدها الجرئيون من الفتيان أيديهم بها عبر النوافذ لتلتقطها الجريئات من الفتيات أيضا .
عند مدخل السوق , نزلت الفتيات تتبعهن مجموعة لايستهان بها من الشباب , الذين وقفوا حائرين أمام رجال الأمن " السيكيورتي " الذي لايسمح بدخول العزاب إلى السوق بعد صلاة العشاء . انصرف المستضعفون ولم يتبق سوى شاب واحد , تجرأ وتقدم نحو ميشيل التي بدا واضحا له ولغيره من المطاردين منذ البداية - لجمال وجهها ونعومة تقاطيعه التي عجزت عن إخفائها - أنها ولميس فتاتان جريئتان تبحثان عن المغامرة , وطلب منها أن تسمح له بالدخول معهن كفرد من العائلة مقابل ألف ريال . ذهلت ميشيل لجرأته إلا أنها وافقت سريعا , وسارت وبقية صديقاتها إلى جانبه وكأنه فرد من المجموعة .
داخل السوق تفرقت الفتيات إلى مجموعتين , مجموعة من البنات تترأسهن سديم , ومجموعة الشباب المكونة من لميس وميشيل وإلى جانبهما ذلك الشاب الوسيم .
كان يدعى فيصل . ضحكت لميس وقالت له أنه مامن شاب ذلك اليوم يدعى عبيد أو دحيم ! الكل أسمة فيصل أو سعود أو سلمان ! ضحك الشاب الوسيم معهما ودعاهما إلى العشاء في مطعم فاخر خارج السوق إلا أن ميشيل رفضت الدعوة .
أعطاها ورقتين من فئة الخمسمائة بعد أن خط رقم هاتفة الجوال على إحداهما واسمه الكامل على الأخرى : فيصل البطران .
كانت أعين النساء في السوق تتابع قمره وسديم وبقية البنات بصورة مزعجة . كانت الواحدة منهن تتفحصهن من وراء نقابها بجرأة وتحد وكأنها تقول لهن " عرفتكن وماعرفتوني " . هذه هي الحال لدينا في الأسواق , يحملق الرجال في النساء لأسبابهم الخاصة , وتحملق النساء في بعضهم لإشباع غريزة " اللقافه " ! لايمكن لفتاة أن تسير في أسواقنا بأمان الله دون أن يتفحص الجميع " وخاصة بنات جنسها " العباءة التي ترتديها والطرحة التي تغطي بها شعرها , وطريقة سيرها والأكياس التي تحملها وفي أي اتجاه تلفت وعند أي بضاعة تقف ! هل هي الغيرة ؟ صدقت مقولة ساشا غيتري : " النساء لايتجملن للرجال , بل نكاية في النساء " !
بعد السوق وكمية من المغازلات البريئة وغير البريئة , اتجهن الفتيات نحو احد المطاعم الراقية لتناول العشاء , ومن ثم توجهن إلى محل صغير لبيع الشيشة والجراك والمعسل واشترين شيشا بعددهن واختارات كل منهن مذاق المعسل الذي الذي تفضلة .
بقية السهرة تمت في بيت لميس , بداخل خيمة صغيرة في ساحة المنزل يقضي فيها أبوها واصدقاءه أماسيهم مرتين أو ثلاث في الأسبوع . يدخنون الشيشة ويتناقشون في مختلف الأمور, بدءا من السياسة وانتهاء بزوجاتهن, أو العكس. كانت العائلة قد سافرت منذ بداية العطلة الصيفية إلى جدة وبقيت لميس وأختها تماظر لحضور زفاف قمرة .
وزعت الشيش الجديدة في الخيمة لأن شيش الأب تنتقل حيثما يسافر . أعدت الخادمة الفحم وأخذت الغاني تصدح والجميع بالرقص والتعسيل ولعب الورق , حتى قمرة جربت المعسل هذه المرة بعد أن أقنعتها سديم أن " الواحدة ما تتزوج كل يوم " , وأعجبها معسل العنب أكثر من غيره .
أحكمت لميس شد ربطتها حول ردفيها , وأبدعت بالرقص الشرقي كعادتها وخاصة على عزف حديث لأغنية لأم كلثوم " ألف ليلة وليلة " . لم تكن تشاركها الرقص أي من البنات الموجودات , وذلك لأسباب وجيهة ؛ أولها انه يستحيل على أي من الفتيات مجارة لميس في رقصها المتقن , وثانيها أن الجميع يحببن مشاهدة لوحاتها الراقصة , حتى أن البعض أطلق على أسماء على كل حركة من حركاتها , فهناك حركة فرامه الملوخية وحركة عصارة البرتقال وحركة ورايا ورايا . تؤدي لميس هذه الحركات باستمرار في الرقص مالم تلاقي التشجيع والتصفير والتصفيق والهتافات التي تليق بمقامها أثناء أداء " النمرة بتاعتها " .
تشاركت لميس مع ميشيل تلك الليلة في شراب زجاجة الشامبيين الغالية التي أخذتها الأخيرة من خزانة والدها للمشروبات الخاصة بالمناسبات الهامة . زفاف قمرة كان جديرا بزجاجة من الدون بيرنيو . كانت ميشيل تعرف الكثير عن البر اندي والفودكا والواين وغيرها من أنواع الكحول . علمها والدها كيف تقدم له النبيذ الحمر مع اللحوم والأبيض مع الأطباق الأخرى , لكنها لم تكن تشاركه الشرب إلا في المناسبات , أما لميس فهي لم تتذوق أيا من تلك المشروبات قبل ذلك إلا مرة واحدة في منزل ميشيل إلا أنها لم تستسغ الطعم , ولكنهما اليوم تحتفلان بزفاف قمره ولابد من أن تشارك ميشيل الشرب حتى تجعلا من تلك الليلة ليلة مميزة في كل شئ !
عندما علت أغنية عبد المجيد عبد الله " يابنات الرياض ... يابنات الرياض .... ياجوهرات العمايم ... ارحموا ذا القتيل .... اللي على الباب نايم " لم تتبق في الخيمة أي من البنات إلا وقامت ترقص .
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الجزء الثالث الخميس يونيو 05, 2008 9:24 am | |
| --------------------------------------------------------------------------------
Subject:من هي نوير ؟
المرأة التي تعطي الغير حياتها ، امرأة لم تجد رجلاً تمنحه هذه الحياة . توفيق الحكيم ..!!
لمن تركوا كل شيء ليسألوا عن ماركة أحمري الصارخ : الماركة جديدة وتدعى (دع اللقافة جانباً وتمتع بالقراءة).
***
بعد حفل زفاف قمرة بأسبوعين ، تلقت خالة سديم الكبرى – الخالة بدرية – عدداً من الاتصالات من أمهات خاطبات يسألن عن ابنة الأخت الجميلة . استقصت الخالة عن المقدمين بطرقها الخاصة واستبعدت من هو غير مناسب منهم حسب رأيها وقررت أن تخبر أبو سديم عن أهم الخاطبين فقط ، وإن لم يتم النصيب فالباقون منتظرون ، ولكن لا داعي لإخبار أبو سديم وسديم عن الكل مرة واحدة حتى لا (يكبر راسهما) عليها وعلى ابنها وبناتها .
وليد الشاري ، بكالوريوس هندسة اتصالات ، موظف في الدرجة السابعة ، والده عبد الله الشاري من كبار تجار العقار في المملكة ، خاله عبد الإله الشاري عقيد متقاعد وخالته منيرة مديرة إحدى كبريات مدارس البنات الأهلية بالرياض .
هذا ما ذكرته سديم لأم نوير وميشيل ولميس عند اجتماعها بهن في منزل جارتها أم نوير . أم نوير سيدة كويتية تعمل مفتشة لمادة الرياضيات في الرئاسة العامة لتعليم البنات وتعيش في المنزل الملاصق لمنزل أبي سديم . انفصلت أم نوير عن زوجها السعودي ، الذي تزوج من أخرى بعد مرور خمس عشرة سنة من زواجهما الذي تم عندما كانت زميلة له في جامعة الكويت ، حيث أنه كان من المقيمين في الكويت آنذاك لعمل والده في السفارة السعودية هناك .
ليس لأم نوير من الأبناء سوى ولد واحد اسمه نوري ، إلا أن لنوري هذا حكاية غريبة ، فمنذ أن بلغ الحادية عشرة أو الثانية عشرة وهو مفتون بثياب الفتيات وأحذية الفتيات ومساحيق التجميل والشعر الطويل . ذعرت والدته كثيراً مع تطور الأمر وانسياقه نحو الظهور بمظهر الولد الناعم ، حاولت ردعه وتوجيهه بشتى الوسائل . استخدمت معه اللين وانهالت عليه بالضرب مرات عديدة ، إلا أن أبوه كان أكثر صرامة معه .
لم يكن نوري يظهر نعومته أمام والده الذي يهابه كثيراً ، إلا أن الأب سمع من الجيران كلاماً عن ابنه اشتاط له غضباً فدخل على ابنه في حجرته وانهال عليه بالضرب بيديه ورجليه حتى أصيب الولد بكسور في القفص الصدري والأنف وإحدى الذراعين . ترك الأب المنزل بعد هذه الحادثة ليعيش مع زوجته الثانية بشكل دائم مبتعداً عن هذا المنزل وهذا الولد ( الخـ.........) .
بعد هذه الحادثة ، أوكلت أم نوري أمرها لله ، وقررت أن هذا ابتلاء من ربها لا بد لها من الصبر عليه . تحاشت هي ونوري إثارة الموضوع من جديد ، وهكذا ظل نوري على حاله ، وأصبح الجميع ينعتونها بأم نوير ، حتى بعد انتقالها للسكن في المنزل المجاور لمنزل سديم قبل أربع سنوات من تاريخ تقدم وليد لخطبة سديم ، بعد أن رفض نوري اقتراحها بالانتقال للعيش في الكويت .
في بداية الأمر ، كان تأثر أم نوير شديداً بسبب نظرة المجتمع السطحية لمأساتها ، لكنها مع مرور الوقت اعتادت الوضع وتقبلت ظروفها الصعبة بصبر ورضى ، حتى أنها أصبحت تدعو نفسها أمام الناس بأم نوير عمداً وهي تحاول إثبات قوتها واستهتارها بنظرة المجتمع الظالمة لها .
كانت أم نوري أو نوير آنذاك في التاسعة والثلاثين ، وكانت سديم كثيراً ما تذهب لزيارتها أو تجتمع بصديقاتها في منزلها ، فأم نوير عبارة عن منبع دائم للنكت والتعليقات اللاذعة ، وهي من أطيب النساء اللواتي عرفتهن سديم في حياتها . علاوة على ذلك فإن وفاة والدة سديم وهي لا زالت في الثالثة من العمر مع كونها الابنة الوحيدة ، كل ذلك جعلها تتقرب من أم نوير وتعتبرها أكثر من مجرد جارة وصديقة أكبر منها بسنوات . كانت سديم تعتبر أم نوير بمثابة أم لها .
لطالما كانت أم نوير كاتمة أسرارهن . تشاركهن التفكير وتجود عليهن بالحلول إذا ما تعرضت إحداهن لمشكلة . كانت تتسلى كثيراً بوجودهن وكان منزلها دوماً المكان الأنسب لممارسة الحرية التي يعجزن عن ممارستها في منزل أي منهن .
مثلاً ، في تلك الليلة هاتفت ميشيل صديقها فيصل وعرضت عليه أن يمر لاصطحابها لتناول القهوة أو الآيس كريم في أي مكان . كانت تلك هي المرة الأولى التي تلتقي فيها ميشيل فيصل بعد أن قام ب(ترقيمها) في السوق . لم ترد ميشيل أن تخبره بخطتها مسبقاً حتى لا يتمكن من الاستعداد للموعد وحتى تتمكن من رؤيته على طبيعته. عندما خرجت لتركب معه في سيارته صدمت بأنه أوسم بكثير بالبنطال الجينز والتي شيرت واللحية غير المهذبة مما بدا عليه في السوق وهو يرتدي الثوب الأنيق والشماغ الفالنتيونو . لاحظت أن لباسه هذا يبرز عضلات صدره وساعديه بشكل جذاب جداً .
اشترى فيصل كوبين من القهوة المثلجة له ولها وجال بها في سيارته الفخمة في شوارع الرياض . أخذها إلى مكتبه في شركة أبيه وراح يشرح لها بعض ما يكلف به من أعمال ، ثم ذهب بها إلى جامعته التي يتلقى فيها دروسه في الأدب الإنجليزي ودار بها في مواقف السيارات لبضع دقائق قبل أن يقوم شرطي بمنعه من التجول بسيارته فوق أرض الجامعة في مثل هذه الساعة من الليل . بعد ساعتين أو أكثر بقليل أعاد فيصل ميشيل إلى منزل أم نوير بعد أن أدار لها رأسها أكثر مما توقعت بكثير .
( انتظروا الجزء الرابع ) ..!!
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الجزء الرابع الخميس يونيو 05, 2008 9:26 am | |
| الجزء الرابع / ماذا فعل التنبل بقمرة في تلك الليلة ؟ ..
ثقافتنا فقاقيع من الصابون والوحل فما زالت بداخلنا رواسب من أبي جهل وما زلنا نعيش بمنطق المفتاح والقفل نلف نساءنا بالقطن ندفنهن في الرمل وملكهن كالسجاد كالأبقار في الحقل ونرجع آخر الليل نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل نمارسه خلال دقائق خمسة بلا شوق ، ولا ذوق ولا ميل نمارسه كالآت تؤدي الفعل للفعل ونرقد بعدها موتى ونتركهن وسط النار وسط الطين والوحل قتيلات بلا قتل بنصف الدرب نتركهن يا لفظاظة الخيل !
( نزار قباني ) ..!!
***
أكاد أسمع سباب الرجال من القراء ولعنهم إياي بعد هذه القصيدة . أرجو أن تفهموها كما أريدكم أن تفهموها ، وكما أظن نزاراً قد أراد لكم أن تفهموها .
***
بعد انقضاء شهر العسل ، توجهت قمرة مع عريسها إلى شيكاغو ، التي اختارها ليبدأ فيها تحضيره للدكتوراة في التجارة الإلكترونية ، بعد أن حصل على درجة البكالوريوس في لوس آنجلس ، والماجستير في إنديانابوليس.
تبدأ قمرة حياتها الجديدة بكثير من الخوف والتوجس . كانت تموت رعباً كلما ركبت المصعد لتصل إلى الشقة التي يسكنانها في الطابق الأربعين من البريزيدينشال تاورز . تشعر بالضغط يمزق رأسها ويسد أذنيها كلما ارتفع المصعد طابقاً من طوابق ناطحة السحاب الشاهقة ، وكانت تصاب بدوار في كل مرة تحاول أن تطل فيها من إحدى نوافذ شقتها . كل شيء يبدو ضئيلاً في الأٍفل البعيد جداً . كانت تنظر إلى شوارع المدينة فتبدو لها كشوارع ألعاب الليغو التي كانت تلعب بها أيام طفولتها ، بسياراتها الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها حجم علبة الكبريت ، بل أن صفوق السيارات من ذلك العلو تبدو كصفوف النلم في صغرها وتراصها .
كانت تخاف من المتسولين السكارى الذين يملؤون الشوارع ويهزون علبهم المعدنية في وجهها طلباً للنقود ، وتخشى قصص السرقة والقتل التي تسمع عنها في تلك الولاية الخرطة ، وتخاف من حارس العمارة الأسود الضخم الذي يتجاهلها كلما حاولت لفت انتباهه بانجليزيتها الركيكة لحاجتها إلى سيارة أجرة .
كان راشد منشغلاً منذ وصوله بالجامعة والبحث . كان يخرج من الشقة في السابعة صباحاً ليعود في الثامنة أو التاسعة وأحياناً في العاشرة مساء ، وفي عطل نهاية الأسبوع كان يحاول إشغال نفسه عنها بأي شيء ، كالجلوس لساعات على الإنترنت أو مشاهدة التلفاز كان كثيراً ما ينام على الأريكة أثناء متابعته لمباراة بيسبول مملة أو لأخبار السي إن إن ، وأما إذا ذهب للنوم في سريرهما ، فإنه يذهب بسرواله الداخلي الأبيض الطويل وفنيلته القطنية الذي لا يرتدي سواهما أثناء تواجده معها في الشقة ، ليلقي بنفسه على السرير كعجوز خائر القوى لا كعريس جديد .
كانت قمرة تحلم بالكثير ، كثير من الملاطفة وكثير من الحب وكثير من الحنان والعواطف كالتي تدغدغ قلبها عند قراءة الروايات العاطفية أن مشاهدة الأفلام الرومانسية وها هي تجد نفسها أمام زوج لا يشعر بانجذاب نحوها ، بل أنه لم يلمسها منذ تلك الليلة المشؤومة في روما .
بعد أن تناولا العشاء في مطعم الفندق الراقي ، قررت قمرة بحزم أن تلك الليلة ستكون ليلة دخلتها التي طال انتظارها . ما دام زوجها خجولاً فلا بأس من أن تساعده وتمهد له الطريق كما نصحتها أمها . صعدا إلى غرفتهما وبدأت تلاطفه على استحياء ، بعد دقائق من المداعبة البريئة صار هو المتحكم بزمام الأمور ، استلمت هي رغم ارتباكها وتوترها الشديدين وأغمضت عينيها بانتظار ما تتوقع حدوثه ، وإذا به يفاجئها بفعل لم يخطر لها على بال ! كانت ردة فعلها المفاجئة له ولها في حينها أن صفعته بقوة ! التقت العيون في لحظة رهيبة ! كانت عيناها مليئتين بالخوف والذهول ، وكانت عيناه مليئتين بغضب لم تر مثله من قبل . ابتعد عنها بسرعة وارتدى ثيابه على عجل وغادر الغرفة وسط دموعها واعتذاراتها ، ولم تره إلا في مساء اليوم التالي عندما قدم على مضض لاصطحابها للمطار ليستقلا الطائرة المتوجهة لواشنطن ، ثم أخرى باتجاه شيكاغو ..!![/frame]__________________ | |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الجزاء الخامس الخميس يونيو 05, 2008 9:29 am | |
|
يعتقد الرجل أنه بلغ غايته إذا استسلمت المرأة له ، بينما تعتقد المرأة أنها لا تبلغ غايتها إلا إذا شعرت أن الرجل قد قدّر ما قدمته له . (أنوريه دي بلزاك ) ..!!
***
كتبوا لي قائلين : لست مخولة للحديث بلسان فتيات نجد . إنك مجرد حاقدة تحاول تشويه صورة المرأة في المجتمع السعودي .
ما زلنا في البداية يا أحباب . إذا بدأتم الحرب علي في الإيميل الخامس ، فماذا ستقولون عني بعد قراءة الإيميلات القادمة ؟! جايكم خير !!
***
دخلت سديم مع أبيها على وليد الشاري في غرفة الضيوف ، وقدماها بالكاد تحملانها من شدة ارتباكها . لم تصافحه اقتداء بقمرة التي أخبرتها عند خطبتها أن أمها نبهتها ألا تمد يدها لراشد إذا ما دخلت عليه في وقت الشوفة (الرؤية الشرعية) . وقف لها وليد احتراماً واتخذ مقعده بعد جلوسها هي وأبيها ، الذي راح يسأله عن أمور متنوعة لم تستطع التركيز فيها .
بعد مرور بضعة دقائق خرج والدها من الغرفة مفسحاً المجال لهما للحديث والتعارف بحرية .
لاحظت سديم إعجاب وليد بجمالها من خلال نظراته لها عند دخولها عليه . رغم أنها لم ترفع رأسها طويلاً لكنها لمحته وهو يتفحص قوامها حتى كادت تتعثر في مشيتها . شيئاً فشيئاً استطاعت سديم أن تسطير على ارتباكها وتتغلب على خجلها بمساعدته . سألها عن دراستها وتخصصها في الجامعة وعن خططها المستقبلية وهواياتها وصولاً إلى منطقة السؤال المحرمة ، المطبخ ! سألها : وأنتِ ما تبغين تقولين لي شيء ؟ تسأليني عن شيء ؟ أجابت بعد تفكير : أبغي أقول لك إني ألبس نظارات . ضحك من اعترافها وضحكت معه . بعد قليل قال لها وهو يحاول استفزازها : - على فكرة سديم ، ترى وظيفتي فيها سفرات كثيرة للخارج .. - ردت عليه سديم بسرعة وهي ترفع أحد حاجبيها بغنج : - ما هي مشكلة . أنا أحب السفر ! أعجب بفطنتها وردودها الشقية ، وطأطأت هي رأسها وقد احمر وجهها بشدة .
أحست بأنها بحاجة لفرملة لسانها بعد ذلك وإلا فإن العريس سوف يهرب من طول لسانها! أنقذها دخول والدها بعد دقائق قليلة فاستأذنت منصرفة بسرعة بعد أن منحته ابتسامة عريضة ومنحها ابتسامة أعرض فخرجت من الصالة وفي قلبها عصافير تزقزق. بدا لها وليد وسيماً ، مع أنه ليس من النوع المفضل لديها من الرجال ، فهي تحب اللون المائل للسمرة وهو أبيض مشرب بحمرة .
شاربه الخفيف مع السكسوكة وتلك النظارة ذات الإطار الفضي الصغير كانت تضيف إلى وجهه الكثير من الجاذبية . طلب وليد من أبيها بعد انصرافها أن يسمح له بمهاتفتها للتعرف عليها أكثر قبل إعلان الملكة ، فوافق الأب وأعطاه رقم هاتفها الجوال . اتصل بها وليد في وقت متأخر من تلك الليلة . ردت عليه بعد تردد . عبر لها عن مدى إعجابه بها . كان يتحدث قليلاً ثم يصمت وكأنه ينتظر منها تعليقاً على ما يقول . قالت له أنها سعدت بالتعرف إليه ولم تزد بأخبرها أنه قد فتن بها وأنه لن يطيق الانتظار حتى عيد الفطر ليعقدا قرانهما . توالت اتصالات وليد بها بعد ذلك .
كان يهاتفها عشرات المرات كل يوم، أولهن عند استيقاظه من النوم في الصباح وقبل توجهه لعمله ، وآخرهن مكالمة مطولة قبل النوم تمتد حتى بزوغ الشمس أحياناً . كان يوقظها من نومها ليسمعها أغنية أهداها إياها عبر الإذاعة ، وكان يطلب منها كل يوم أن تختار له نظارة أو ساعة أو عطراً من محال مختلفة ليقوم بشرائها فيما بعد حتى يكون كل ما يرتديه على ذوقها .
أصبح حب وليد لسديم مثار حسد بقية الفتيات ، خاصة قمرة التي كانت تتحسر على نفسها عندما تصف لها سديم في مكالماتها مدى تعلقها بوليد وتعلق وليد بها ، فتبدأ قمرة باختلاق الأكاذيب عن حياتها السعيدة مع راشد ، وعما يفعله راشد وما يجلبه لها راشد حتى لا تشعر بالنقص أمام صديقاتها . تم عقد القران ، وبكت خالة سديم كثيراً وهي تتذكر أختها أم سديم رحمها الله التي ماتت وهي في عز شبابها ولم تفرح بابنتها الجميلة ، وبكت ولدها البكر طارق الذي كانت تتمنى أن تكون سديم من نصيبه .
أجبرت سديم على أن تبصم في الدفتر الضخم ، بعدما جوبه احتجاجها على عدم السماح لها بالتوقيع بالإهمال . قالت لها خالتها : ( يا بنيتي ابصمي وبس . الشيخ يقول تبصم ما توقع .
الرجال بس هم اللي يوقعون ). بعد عقد القران أقام والدها مأدبة عشاء دعي إليها أقاربه وأقارب العريس ، وفي مساء اليوم التالي جاء وليد ليرى عروسه التي لم يرها منذ الرؤية الشرعية . قدم لها في تلك الزيارة الهدية المتعارف عليها في فترة الملكة : هاتف جوال من أحدث الموديلات في السوق . في الأسابيع التالية كثرت زيارات وليد لسديم ، معظمها كان يتم بعلم والدها وقليل منها دون علمه . كان عادة ما يأتي لزيارتها بعد صلاة العشاء ولا ينصرف قبل الساعة الثانية صباحاً ، أما في عطلة نهاية الأسبوع فقد كانت الزيارة تمتد حتى ساعات الصباح الأولى .
كان يدعوها مرة كل أسبوعين على العشاء في مطعم فخم ، أما في باقي الأماسي فقد كان يجلب معه طعاماً أو حلويات تحبها . كانا يقضيان الوقت في الحديث والضحك أو في مشاهدة فيلم استعاره من أصدقائه أو استعارته هي من صديقاتها ، ثم بدأت الأمور تتطور حتى ذاقت طعم القبلة الأولى . كان معتاداً على تقبيل وجنتيها كلما قدم لزيارتها أو أراد توديعها ، إلا أن وداعه لها تلك الليلة كان أشد سخونة من ذي قبل . ربما كان للفيلم الذي شاهداه معاً دوراً في خلق الجو المناسب حتى يطبع على شفتيها العذراوين قبلة طويلة .
بدأت سديم استعداداتها للزفاف ، وكانت تطوف المحلات مع أم نوير أن ميشيل أو لميس . كان وليد يرافقها في بعض الأحيان ، خاصة إن كانت تنوي شراء ثياب للنوم . تحدد موعد الزفاف بعد انتهاء امتحانات آخر السنة ، وذلك بناء على رغبة سديم التي خشيت أن تتزوج في عطلة الحج فلا تتمكن من الاستعداد بشكل جيد للامتحانات النهائية ، وهي الحريصة دوماً على التفوق في دراستها . أثار قرارها استياء وليد الذي كان متلهفاً على الزواج بأسرع وقت ، فقررت أن تراضيه .
ارتدت في تلك الليلة قميص النوم الأسود الشفاف الذي اشتراه لها ورفضت أن ترتديه أمامه يومها ، ودعته للسهر في بيتها دون علم والدها الذي كان يقضي الليلة مخيماً في البر مع أصدقائه . الورد الأحمر الذي نثرته على الأريكة ، والشموع المنتشرة هنا وهناك ، والموسيقى الخافتة التي تنبعث من جهاز التسجيل المخفي ، كلها أمور لم تثر انتباه وليد كما أثاره القميص الأسود الذي يكشف من جسمها أكثر مما يخفي ، وبما أن سديم كانت قد نذرت نفسها تلك الليلة لاسترضاء حبيبها وليد فقد سمحت له بالتمادي معها حتى تزيل ما قلبه من ضيق تجاه تأجيلها لزفافهما . لم تحاول صده كما اعتادت أن تفعل من قبل إذا ما حول تجاوز الخطوط الحمراء التي كانت قد حددتها لنفسها وله في بداية أيامهما بعد عقد القران كانت قد وضعت في ذهنها أنها لن تنال رضاه الكامل حتى تعرض عليه المزيد من (أنوثنته) ، ولا مانع من ذلك في سبيل إرضاء وليد الحبيب . من أجل عين تكرم مدينة. انصرف وليد بعد أذان الفجر كعادته ، إلا أنه بدا مشتتاً وحائراً على غير العادة. اعتقدت أنه يشعر بالتوتر مثلها بعدما حصل . انتظرت سديم اتصاله المعتاد بعد وصوله إلى منزله ، خاصة وأنها بحاجة ماسة لرقته وحديثه بعد ليلة كهذه ، لكنه لم يتصل . لم تسمح سديم لنفسها بالاتصال به وانتظرت حتى الغد ولكنه لم يتصل أيضاً .
قررت على مضض أن تمهله بضعة ألأيام حتى يهدأ ثم تتصل هي لتستفسر عما به . مرت ثلاثة أيام وسديم (ما جاها خبر ) . تخلت عن ثباتها واتصلت به لتجد هاتفه النقال مقفلاً ثابرت على الاتصال به على مدار الأسبوع وفي أوقات مختلفة علها تنجح في الوصول إليه ولكن هاتفه النقال ظل مقفلاً وخط غرفته الثابت مشغول باستمرار! ما الذي يجري ؟ هل أصابه مكروه ؟ هل ما زال غاضباً منها إلى هذا الحد حتى بعد كل محاولاتها لاسترضائه ؟ ماذا عن كل ما منحته إياه في تلك الليلة ؟ هل أخطأت بأن سلمته نفسها قبل الزواج ؟ ويلاه ! جُن وليد ؟؟ أيعقل أن يكون هذا ما دفعه للتهرب منها منذ ذلك اليوم ؟ ولكن لماذا ؟ أليس زوجها شرعاً منذ عقد القران ؟ أم أن الزواج هو القاعة الضخمة والمدعوات والمطربة والعشاء ؟؟ ما هو الزواج ؟ وهل ما فعلته يستحق أن يعاقبها عليه ؟ ألم يكن هو البادئ بالفعل ؟ ألم يكن هو الطرف الأقوى ؟ لِمَ أجبرها على ارتكاب الخطأ ثم تخلى عنها بعده ؟ من منهما المخطئ ؟ وهل ما حدث خطأ في الأصل ؟؟ هل كان يمتحنها ؟ وإذا كانت قد فشلت في الامتحان ، فهل يعني ذلك أنها لا تستحقه ؟ لا بد وأنه ظن أنها فتاة سهلة ! ولكن ما هذا الغباء ؟! أليست زوجه وحلاله ؟ ألم تبصم ذلك اليوم في الدفتر الضخم إلى جانب توقيعه ؟ ألم يكن هناك قبول وإيجاب وشهود وإشهار ؟ أم أن كل ذلك لا يعني أنها أصبحت زوجه شرعاً دون حفل الزفاف ؟. لم يخبرها أحد عن ذلك من قبل .
هل سيحاسبها وليد على ما تجهل ؟ لو أن والدتها كانت على قيد الحياة لتحذرها وتوجهها كما كانت تفعل خالتها أم قمرة مع ابنتها لما حدث ما حدث ، ثم أنها سمعت قصصاً كثيرة عن فتيات قمن بمثل ما قامت به مع وليد وأكثر في فترة المِلكة وقبل الزفاف ! حتى أنها سمعت عن كثيرات ينجبن أطفالاً مكتملي النمو بعد العرس بسبعة أشهر فلا يكترث سوى قلة ممن يلاحظون مثل هذه الأمور 000 فأين الخطأ؟. من يرسم لها الخط الدقيق الفاصل بين ما يصح فعله وما لا يصح ؟ وهل الخط الفاصل في الدين هو نفس الخط المرسوم في عقل الشاب النجدي ؟ كان وليد يلومها كلما حاولت صده بقوله أنها زوجته على سنة الله ورسوله ، وكانت خالتها وأم نوير يحذرانها من مجاراته لأنها ما تزال خطيبته فقط ! فم تصدق ؟ من يشرح لها سيكولوجية الشاب السعودي حتى تتمكن من الفهم ! هل اعتقد وليد أنها فتاة (مجربة) !!؟؟ هل كان يفضل أن تصده ؟؟ هي لم تفعل أكثر من التجاوب معه بالطريقة التي تراها على شاشة التلفاز أو تسمعها من صديقاتها المتزوجات أو المجربات ، وقام هو بالبقية ! فما ذنبها إن هي قبلت بمجاراته وعرفت كيف تتصرف معه في موقف كهذا !؟ لم تكن المسألة بحاجة إلى كيمياء وفيزياء ! فما هذا الغباء الزفتي الذي يسفلت عقل وليد ؟؟؟ اتصلت بأمه فأخبروها أنها نائمة .
تركت اسمها للخادمة وطلبت منها أن تخبر سيدتها أنها اتصلت بها ، وانتظرت اتصالاً من أم وليد فلم تحصل عليه 00 هل تخبر أهلها ؟ هل تخبر والدها عما تم في تلك الليلة السوداء ؟ كيف ستخبره ؟ وماذا تخبره ؟ وإن سكتت ، هل ستسكت حتى موعد العرس ؟ وماذا سيقول الناس يومها ؟ العريس طفش ؟! لا ! لا يمكن أن يكون وليد على القدر من اللؤم ! لا بد وأنه في غيبوبة في أحدى المستشفيات . أن يرقد في المستشفى أهون عليها ألف مرة من أن يتهرب منها بهذا الشكل! ظلت سديم في حيرة من أخرها ، نتنظر زيارة من وليد أو اتصالاً . تحلم بأن يأتيها راكعاً طالباً الصفح .
لكنه لا يأتي ولا يتصل ! سألها أبوها فلم تجب ، وإنما أتته الإجابة من وليد : ورقة طلاق ! حاول الأب أن يفهم من ابنته سر هذه المفاجأة التعيسة فانهارت باكية بين يديه ولم تفصح له عن شيء . ذهب غاضباً لوالد وليد الذي نفى علمه بأي شيء وأخبره بأنه متفاجئ مثله بما حدث ! كل ما قاله وليد لأبيه أنه اكتشف عدم راحته لعروسه ففضل فسخ العقد الآن قبل أن يتم العرس ويدخل بها .
كتمت سديم سرها عن الجميع ، وظلت تلعق جراحها بصمت حتى جاءت الصدمة الثانية : رسوبها في أكثر من نصف المواد في عامها الجامعي الأول ..!
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الجزء السادس الخميس يونيو 05, 2008 9:31 am | |
|
على الدفاتر خلفت الصبا نتفاً وفي الفصولِ تركت القلب أجزاء على الطباشير شيء من دم 00 عجباً تبدو الطباشير رغم الجرح بيضاء .! ( غازي القصيبي )
***
اعترف بأن قدرات الناس على الربط والتحليل ما انفكت تفاجئني ! رسائل كثيرة وصلتني تسألني عن هويتي الحقيقية ، وهل أكون إحدى الفتيات الأربع اللواتي أكتب عنهن في هذه الإيميلات ؟ ولم لا ؟ ما رأيكم في أن أضع لكم رقماً لإرسال توقعاتكم حتى تظهر على إحدى محطات الأغاني ؟ خلونا نترزق الله ! نضع مذيعة لبنانية مهضومة تستقبل توقعاتكم على طريقة : ' بونسوار لإلكون ' ، مين ببتوأعوا تكون الشخسية المجهولي ؟ أمرة يما سديم يما ميشيل يما لميس ؟ احزوروا وبتربحوا تزكرتين مع إكامي ببيروت تتجوا تحضرونا بحفلة البرايم ! ويمكن يكون الحز من نسيبكون وتفوزوا بساعة بؤرب الحبيب ، يا للي هوي شخصيتنا المجهولي ! احزور وما تتأخر ! اتصل أو ابعتلنا إس إم إس ع هالأرآم المكتوبي ع الشيشي . حتى الآن تنحصر أغلب التوقعات ما بين قمرة وسديم ، واحد فقد يرجح كوني ميشيل ، لكنه يستدرك قائلاً أن انجليزية ميشيل أفضل من إنجليزيتي00 هو أنا تكلمت انجليزي أصلاً !؟
صحيح تجيك التهايم وانت نايم ! يو قت أكيوزد وايل يور أسليب ! حتى لا تقولوا أنني لا أعرف انجليزي 000 ما أضحكني فعلاً هو إيميل من هيثم من المدينة المنورة ينتقدني فيه لتعصبي لبنات الرياض (البدو) وإهمالي لشخصية تميس ، أعني لميس ، حبيبة القلب ما زولا . هل يعرفها الأخ من ورائي ؟ ولا يهمك يا أخ هيثم . إيميلي اليوم سوف يكون عن لميس ولميس فقط 000 بس لا تزعل علينا يا أبو هيثم يا عسل (أبو هيثم) عسل بدون ميم قبل العين ، والحدق يفهم ! . وش نسوي يا أبو الهياثم ؟ بدو ! ما علينا شرهة ! على رأي إحدى دكتوراتي الحجازيات في الجامعة : بدوية رفتة !
***
رغم التشابه الظاهري بين لميس وتوأمها تماضر إلا أن هناك اختلافات شاسعة بين الأختين في الطباع والأفكار ، ومع أنهما اشتركتا في الفصل في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ، وحتى في دراستهما الجامعية حيث التحقت كلتاهما بكلية الطب البشري ، إلا أن تماضر كانت وحدها مثار إعجاب الأساتذة والأستاذات ، لجيتها الشديدة وشخصيتها المنضبطة ، بينما كانت لميس (الدافورة أو الشاطرة الكول) المفضلة بين الأختين لدى زميلاتهما ، لظرفها وقربها من الجميع ، مع محافظتها على مستواها الدراسي المرتفع . كانت لميس أكثر جرأة وشجاعة من تماضر التي تؤثر السير بجانب الحائط ، وتصف أختها دائماً بالمتهورة واللعوب . كان والدهما الدكتور عاصم حجازي عميداً سابقاً لكلية الصيدلة ، ووالدتهما الدكتورة فاتن خليل وكيلة سابقة في نفس الكلية ، كان العاملان الأساسيان في نجاح الفتاتين وتفوقهما الدراسي الملوحظ .
منذ ولادتهما والأبوان يحرصان كل الحرص على توزيع الأدوار فيما بينهما حتى يوليا كلاً من الطفلتين ما تحتاجه من اهتمام ورعاية ، ومع دخولهما الحضانة ، في الروضة ، في المدرسة ، كان اهتمام الأبوين يزداد وحرصهما على تميز ابنتيهما يتكثف. لم ينجب الزوجان سوى هذا التوأم ، والذي لم ينجباه إلا بعد عناء وعلاج طويل دام على مدى أربعة عشر عاماً ، رزقا بعده برحمة من الله هاتين الطفلتين الجميلتين . لم يحاولا الإنجاب بعد ذلك ، حيث أن سن الأم أصبح متأخراً ، ومحاولات الإنجاب بعد ذلك قد تؤثر سلباًَ على صحتها وصحة الجنين .
من أطرف الحوادث التي مرت بلميس أيام دراستها الثانوية ، عندما كانت في الصف الأول الثانوي ، كان أن اتفقت هي وميشيل وزميلتان لهما في الفصل على تبادل بعض أفلام الفيديو .
في اليوم المقرر جلبت كل منهن أربعة أفلام . اتفقن على توزيع الأفلام الستة عشر فيما بينهن في آخر الدوام ، إلا أن الحظ التعيس (أو القرادة) الرجاء الرجوع الإيميل الأول للشرح ، كان لهن بالمرصاد . سمعت الفتيات عن نية الإدارة بتفتيش الفصول وحقائب الطالبات بحثاً عن الممنوعات وعلى رأسها أشرطة الفيديو والكاسيت .
لم تدرِ لميس هل وشت إحدى الفتيات بهن أم أنه مجرد سوء الحظ الذي يلازمها . ارتبكت الفتيات الأربع وأسقط في يديهن حينما تسرب خبر التفتيش ، والمصيبة أن المخالفة لم تكن عبارة عن شريط أو اثنين ، إنها ستة عشر شريط فيديو مع أربعة من أوائل الطالبات يا للفضيحة التي لم تكن على البال على رأي ماري منيب : (ده اللي حصل واللي جرى لا ينكتب ولا ينقرا). جمعت لميس الأشرطة من الفتيات ، ووضعتهن في كيس ورقي كبير ، وطلبت منهن أن يتصرفن على طبيعتهن (وهنا تتضح قدرات لميس الإرهابية) . أخرتهن بأن كل شيء سوف يكون على ما يرام وأنها ستتولى الموضوع .
ذهبت بالكيس خلال الفسحة إلى دورة المياه ، وراحت تبحث عن مخبأ مناسب . لم يكن المكان مناسباً ، فالكيس كبير وهي تخشى أن تجده أي من العاملات فتقوم بالاستيلاء عليه أو إيصاله للإدارة ، وحينما لن تكون مشكلتها مع الفضيحة المدرسية بل مع زميلاتها اللواتي لن ترضى أي منهن أن تفرط بأشرطتها حاولت إخفاء الكيس في خزانة الفصل إلا أنها شعرت بأن المكان مكشوف ومتوقع . كان الأمر أشبه بلعبة (غميمة) في وقت ومكان غير مناسبين . جاءتها الفكرة العبقرية طرقت باب غرفة المعلمات وطلبت رؤية معلمتها المفضلة أبلة هناء معلمة الكيمياء .
جاءت أبلة هناء مرحبة بهذه الزيارة المفاجئة ، وبجرأة شرحت لميس موقفها الصعب ، فراحت أبلة هناء تولول : - وشو بدك يانا نساوي يا لميس ؟ - ولي عا قامتي مستحيل ما بقدر خبيهون عندي - لو عرفت الإدارة ، والله ليفنشوني - معقولة يا بنتي سطعش فيلم مرة واحدة يا عيب الشوم عليكي . أخذت المعلمة الكيس الضخم تحت ضغط لميس بعد تردد طويل ، ووعدتها أن تفعل ما بوسعها لإنقاذ سمعتها .
انقضت بعض المسؤولات في الإدارة على فصل لميس في الحصة الخامسة وقمن بتفتيش حقائب الطالبات وأدراج الطاولات والخزانة عن أية ممنوعات ، خبأت بعض الطالبات ما يحملنه من أشرطة كاسيت (واحد أو اثنين) أو قنينة عطر أو ألبوم صور صغير أو جهاز بيجر في جيوب المريول المدرسي ، ووقفن وظهورهن ملتصقة بجدران الفصل . كانت أعيث صديقات لميس تدور مع المفتشات بهلع وهن بانتظار أن تعثرن على أفلامهن في حقيبة لميس ! أثناء الحصة الأخيرة ، جاءت إحدى الساعيات إلى فصل لميس مخبرة إياها بأن مديرة القسم الثانوي بالمدرسة قد طلبت رؤيتها . أطرقت لميس مفكرة : هادي آخرتها يا أبلة هناء ؟ تفتني عليا ؟ أيش هادا الخوف ؟ هادا وانتي أبلة طلعت خوافة أكتر مني ! صحيح الأبلات ما لهن أمان . دخلت لميس مكتب المديرة بلا خوف . (ذل دامج إز دون) ولن ينفعها الخوف والارتباك ، لكنها كانت تشعر بحرج شديد ، فهذه ليست المرة الأولى التي تقع فيها في مشكلة من هذا النوع ليتم استدعاؤها إلى مكتب المديرة . - وبعدين معك يا لميس ؟ مو كفاية اللي سويتيه الأسبوع الماضي لما رفضتي تعلمينا مين البنتاللي حطت الحبر الأحمر على كرسي الأبلة في الفصل ؟ تطأطئ لميس رأسها وتبتسم رغماً عنها عندما تتذكر كيف وضعت زميلتهن أوراد بضع نقاط من أنبوبة قلمها الأحمر على كرسي المعلمة بين الحصص . دخلت الأستاذة لتفاجأ بالقطرات الحمراء على جلد المقعد ! وقفت مشدوهة للحظات والطالبات يغالبن ضحكاتهن ثم سألت : - من كان عليكن الحصة اللي قبل هاي يا بنات ؟ - (بصوت جماعي ) أبلة نعمت يا أبلة ! خرجت الأستاذة مسرعة من الفصل لتبحث عن أبلة نعمت التي تكرهها الطالبات جميعاً ، وبطون الطالبات تؤلمهن من شدة الضحك ! ردت عليها لميس يومها بغض : - أبلة أنا قلت لك إني ما أقدر أفتن على صاحباتي . - هاذي اسمها سلبية يا لميس ! أنتي لازم تكونين في صفنا إذا كنتي حريصة على مستواكِ وعلاماتك . ليش ما نتي مثل أختك تماضر ؟ بعد هذا التهديد الصريح ، والسؤال المستفز المعهود (ليش ما نتي مثل أختك تماضر) قدمت أم لميس الدكتورة سميحة للقاء المديرة ، وحذرتها من استخدام هذا الأسلوب مع ابنتها مرة ثانية . ما دامت لميس لم تكن هي من قامت بترتيب المقلب، فليس من حقهن أن يطالبنها بإفشاء سر صديقاتها ، والأفضل لهن كمعلمات أن يبحثن عن الفاعلة الحقيقية بأنفسهن عوضاً عن محاولة تسخير لميس للتجسس لحسابهن لتخسر بذلك احترامها لنفسها ومحبة رفيقاتها الكبيرة لها .
صحيح أن المعلمات يسألنها دائماً لم ليست كأختها تماضر ، لكن صديقاتها بالمقابل يسألنها لم ليست تماضر مثلها ! كانت لميس أكيدة أن المديرة ستكون أكثر تساهلاً معها هذه المرة ، خاصة وأنه لم يمض على زيارة والدتها للمدرسة سوى أيام ، وقد كانت لوالدتها مكانة خاصة في تلك المدرسة ، فهي رئيسة جمعية أمهات الطالبات منذ خمس سنوات ولها الكثير من المشاركات الفعالة في نشاطات المدرسة الخيرية ، علاوة على أن ابنتيها من أبرز الطالبات في تلك المدرسة وغالباً ما يتم اختيارهن لتمثيل المدرسة في المسابقات الثقافية على مستوى المنطقة .
قالت لها المديرة : - أنا وصلني الكيس مثل ما انتي شايفة لكن أنا وعدت أبلة هناء أني ما أعاقبك وأنا عند وعدي . كل اللي حاسويه هو أني راح آخذ الأفلام معي اليوم وأرجعها لك بعدما أتفرج عليها . - تتفرجي عليها ؟ ليه ؟! - علشان أتأكد من إن ما فيها أفلام كذه وإلا كذه (وهي تغمز). يا له من طلب مكشوف ! لم لا تطلب منها بصراحة أن تستعير الأفلام لمشاهدتها ؟ على أية حال ، لن تتمتع هذه المديرة الكريهة بأفلامها بعد هذه المشاكل التي تزجها فيها كل يوم - آسفة يا أبلة . الأفلام ما هي حقتي ، وصاحباتي لو عرفوا إنو الأفلام اتخدت راح يبهدلوني . - ومن هم صديقاتك هذول ؟ يا لهذه المديرة التي لا تكف عن السؤال المحرج . - ما قدر أقول لك يا أبلة . حيعرفوا إني قلتلك وأنا وعدتهم إني أحل المشكلة لوحدي. - مشكلتك يا لميس إنك مسوية فيها زعيمة عصابة وكل التهزيء يجي على راسك انتي في النهاية ! - (وهي تحاول اكتشاف صدق المديرة من كذبها) يعني يا أبلة ، لو قلتلك أساميهم دحينا ما حيوصل لهم خبر ؟ ولا حيعرفوا إني فتنت عليهم ؟ ولا حتعملي لهم حاجة أكيد ؟ - أوعدك . أخبرتها لميس بأسماء شريكاتها في الجريمة وأخذت الأفلام بعد ذلك ووزعتها بينها وبين صديقاتها الثلاث قبل انصرافهن إلى بيوتهن وهن يسألنها أين كان المخبأ وكيف استطاعت أن تتخلص من هذا الكيس الكير ! اكتفت لميس بابتسامة واثقة وقولها المعتاد : ده أنا لميس والأجر على الله .
هكذا كانت شخصية لميس ، وكانت تماضر على العكس منها ، هادئة ومطيعة ، ورافضة لكل ما تقوم به أختها العنيدة . رافضة ، كانت تلك الكلمة بداية لأكبر خلافات لميس مع أختها تماضر ، ومع بقية الشلة أيضاً ..!![/frame]
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الجزء السابع الخميس يونيو 05, 2008 9:33 am | |
| الجزء السابع / أساطير شارع خمسة ..!!
هل هذه الكلمات شغل يدي ؟ إني أشك بكل ما حولي ... بدفاتري ... بنزيف ألواني ... هل هذه اللوحات من عملي ؟ أم أنها لمصور ثاني ؟ ( نزار قباني )
***
اتهمني الكثيرون بأنني أقلد طريقة بعد الأدباء في الكتابة ، ولي الشرف صراحة أن أقلد كتاباً كالذين ذكروا ، مع أنني والله أصغر من أن أقلدهم .
للأمانة ، أنا أكتب بهذا الأسلوب (المصرقع) حبتين ، حبة فوق وحبة تحت منذ صغري ، ولدي ما يثبت أن صرقعتي قديمة و (منذ مبطي) ، دفاتر مادة التعبير المليئة بخنبقاتي عبر السنين . كان أكثر ما يغيظني المدرسات اللواتي لا تستهويهن تقليعاتي وكتاباتي المرجوجة . كنت أعاقب هؤلاء شر عقاب فأنقل لهن مواضيعاً من دفاتر قريباتي أو صديقاتي من المدارس الأخرى.
لست أنسى المرة التي طلبت فيها إحدى المعلمات الرزينات مني أن أقرأ موضوعي عن الشجرة أمام زميلاتي في الفصل . وقفت بثقة في مواجهة ثلاثين طالبة لأقرأ ما نقلته من كراسة إحدى قريباتي الأكبر مني بثلاث سنوات : ( من منا لا يعرف الشجرة ؟ الشجرة هي المصنع الأول للأكسجين ...! ). بعد بضعة سطور إضافية تعذيبية من هذا النوع ، طلبت مني المعلمة أن أعود إلى مقعدي ، ورجتني أن لا أنقل مواضيعاً من آخرين في القادمة ! واعترفت لي على مضض أنها تفضل مواضيعي المرجوجة على هذه التفاهات . ما أسوأ أن لا يجد الإنسان تقديراً من أقرب الناس إليه . في تلك السن المبكرة ، عرفت أحد أهم الأسباب المؤدية إلى الزواج الثاني .
***
كانت فاطمة زميلة للميس في كلية الطب . كان كل ما تعرفه لميس في البداية أن فاطمة من القطيف . لم تتعرف لميس من قبل على أي فتاة قطيفية كما لم تتعرف على أي فتاة من الأحساء أو الجبيل أو غيرها من مناطق الساحل الشرقي . لم تكن تعرف من المنطقة الشرقية سوى الخبر والدمام .
تعرفت عند دخولها للجامعة على زميلات لها في كلية الطب قدمن من مناطق بعيدة لم تسمع بكثير عنها . منهن من جاءت من حفر الباطن ، ومنهن من قدمت من الجوف ومن عرعر ومن القريات ومن خميس مشيط ، ومنهن من تسكن على أطراف مدينة الرياض أو في أحياء لم تسمع بها من قبل كالسويدي وخنشليلة. كانت كمية الطالبات القادمات من خارج الرياض كمية كبيرة قد تصل إلى أكثر من نصف الدفعة المكونة من ستين طالبة . كانت لميس تشعر بالإعجاب كلما تقربت من هؤلاء الفتيات لما تتميز به شخصياتهن من نشاط واستقلالية وقدرة على التحمل .
كن قد تخرجن من مدارس حكومية ولم تتوفر لهن ربع المساعدات التي توفرت لا ولصديقاتها الثلاث في مدارسهن الأهلية المعروفة ، ومع ذ لك فقد تفوقن ونلن أعلى الدرجات ، ولولا ضعف غالبيتهن في اللغة الإنجليزية لما استطاع أحد تمييزهن عن صديقاتها ، إلا ربما ببساطة ما يرتدينه . لم تكن إحداهن قد سمعت من قبل بالماركات الشهيرة التي لا تشتري فردات الشلة الرباعية من سواها ، ولم تتخيل أخرى يوماً وهي تتذوق ما مع لميس من شيكولاتة فاخرة أنها بهذا السعر الباهظ : - خير إن شاء الله ؟ وش ذي ؟ شوكاطه والا ذهب ؟ - أنا سمعت عن شي عندكم اسمه باتشي يقولون مرة كشخة ! - في شي أغلى من باتشي بعد ؟ يا ويلي ! ذهلت ميشيل مرة عند سماعها إحدى الطالبات وراءهما تستغفر بحنق عندما سمعت بالصدفة لميس للفستان الذي سترتديه الليلة في عرس ابنة عمتها ! وقالت لها سديم أن إحدى الطالبات معهن في القسم تكرر في كل حين أنها تبحث بين زميلاتها عن عروس لزوجها الذي تزوجت منه قبل سنة واحدة لتخطبها له بنفسها ! والسبب أنها تريد أن تجد وقتاً لتنظيف المنزل ودهن شعرها وتحنية كفيها والتزين له والعناية بطفليهما وما سيتبعه من أطفال ، في الوقت الذي يقضيه زوجها مع زوجته الأخرى ! لم تكن ميشيل من بين صديقاتها تستسغ هذه النوعية من الفتيات ولا تحبذ الدخول مع أي منهن في نقاش وجدل عقيم ، ولم تكن سعيدة بحماس لميس الواضح لتكوين علاقات معهن .
كانت تشعر وكأن لميس تمثل دور شير في فيلم مراهقتهما المفضل (كلوليس) . تتعرف على أقل الفتيات حظاً لتبدأ معها رحلة التجميل والتثقيف والتطوير . تعطيها (كومبليت ميك أوفر) ربما لتشعرها بتفوقها وسيطرتها عليها .
لم تكن ميشيل تفهم ، وزادها حنقاً أن سديم كانت تشارك لميس حماسها وانسجامها مع هؤلاء الفتيات الجدد . كانت هؤلاء الفتيات على بساطتهن في غاية الأدب ورقة الطباع وكانت طيبتهن تجذب الجميع لهن ، علاوة على خفة الدم التي تكاد تكون معدومة في الأوساط الراقية ! هل هناك علاقة عكسية ما بين المركز المادي والاجتماعي وبين خفة الدم والشخصية المرحة ؟ مثلما يؤمن البعض بوجود علاقة طردية بين البدانة وخفة الدم ؟ أنا شخصياً أؤمن بذلك .
(المصالة) أو (ثقالة الطينة) أو السماجة داء متفش في الأوساط الراقية ، وباعتبار أن نسبة المصالة بين الإناث تفوق بكثير نسبتها لدى الذكور ، ولأن التماسيح للأسف أخف دماً من السحالي ، (خصوصاً السحالي الجميلة مثلنا) ، فإنني أنعي بكل أسى نفسي وصديقاتي ، ولكن الحمد لله على أية حال ، فكما يقول المثل الشعبي : العَوَض ولا القطيعة ! بدأت لميس تلاحظ غيرة ميشيل من كل فتاة تتقرب منها في الجامعة . مع أن لميس اجتماعية منذ معرفة ميشيل بها ، لكن البيئة في الجامعة تختلف تمام الاختلاف عن بيئة مدرستهن ، والطبقة الأرستقراطية أو المجتمع المخملي الذي تنحدر منه معظم زميلاتهن في المدرسة ، ليس إلا جزءاً بسيطاً من الطبقات المتباينة الموجودة في الجامعة . إن مجتمعنا السعودي أشبه بكوكتيل الطبقات الذي لا تختلط فيه أي طبقة بالأخرى إلا للضرورة وعند الخفق القوي. في الفصل الدراسي الأول من أولى سنواتهن الجامعية ، كانت سديم ولميس تجتمعان ويمياً على رصيف شارع خمسة أو الشانز (الشانزليزييه) كما يسمونه في جامعة البنات بعليشة .
كانت الفتاتات تحلمان برؤية شانز عليشة من كثرة ما سمعتا عنه ، فإذا به مجرد بضعة مقاعد خشبية قديمة موزعة أمام بوابة الخروج رقم خمسة ، وإذا بجامعة عليشة مجرد مبانٍ آيلة للسقوط وشوارع مغطاة ببقايا تمر جاف سقط من نخلات متراصة على امتداد طرقها ، بعد أن يئس من قدوم من يجنيه ، وحتى بعد وقوعه ، لم يجد له من يرفعه عن الأرض . ميشيل التي قدمت من كليتها بالملز خصيصاً للتحقق من ما هية شانز عليشة أصيبت بخيبة أمل كبيرة ، وندبت حظها الذي أجبرها على دخول الجامعة في السعودية بدلاً من أمريكا .
لمجرد أن عماتها اجتهدن في حشو رأس والدها المتفتح بأفكار بالية . حذرنه من مغبة السماح لها بالدراسة وحدها في الخارج ، لأن الفتيات اللواتي يقمن بذلك يكثر حولهن الكلام فلا يجدن من يتزوج منهن بعد عودتهن إلى البلاد . الطامة الكبرى كانت في اقتناع أبيها المتحضر فجأة بهذه السخافات ! كان لرصيف نمرة خمسة كما في أغنية عمرو دياب في فيلم آيس كريم في جليم – هل كان يعني عليشة ما غيرها ؟ - أسرار أشبه بالأساطير ، وكانت تروى عنه الكثير من القصص الحقيقية أحياناً والمبالغ بها أحياناً أخرى . إحدى قصص رصيف خمسة المشهورة والتي تناقلتها الأجيال في جامعة عليشة قصة أروى .
هل توجد بين طالبات عليشة من لم تسمع بأروى؟! كانت أروى طالبة مليحة التقاطيع ، يميزها شعرها القصير جداً ومشيتها المسترجلة . كان الكل يخاف من أروى والكل يطلب ود أروى . إحدى البنات تقسم أنها رأت أروى في أحد الأيام جالسة على رصيف شارع خمسة وقد ظهر طرف السروال الرجالي الأبيض من تحت تنورتها السوداء الطويلة ! وأخرى تؤكد أن صديقة لها كانت قد رأتها وهي تلف يدها حول خصر إحدى الفتيات بطريقة مشبوهة ! تذكر سديم أنها ماتت رعباً عندما مرتب بجانبها أروى وهي (تحش) فيها .
لم تكن سديم قد التقت أروى قبل ذلك ولذلك فإنها لم تنتبه للمأزق الذي وضعت نفسها فيه حتى أخبرتها إحدى الزميلات التي انضمت متأخرة إلى الحديث أن المستندة إلى ذلك الجدار القريب وعيناها معلقتان بسديم وابتسامتها المخيفة لا تغادر شفتيها ليست سوى أروى ! - تهقونها سمعتني يا بنات ؟ إذا كانت سمعت ، وش بستوي فيني !؟ سألت سديم صديقاتها والعرق يتصبب من كل مسام جلدها .
حذرتها صديقاتها من أن تسير بمفردها في تلك الجامعة بعد ذلك اليوم ، فمن الواضح أنها قد انضمت – عن جدارة – إلى اللائحة السوداء لأروى!. - الله يخلف عليك يا سدّوم ! ابتعدي عن مبنى رقم (............) فهو أقدم المباني وأبعدها ويقولون إن أروى تصطاد البنات اللي يروحون هناك بلحالهم لأن المكان بعيد وخرابة والبنت إذا صرخت وإلا كسرت الدنيا هناك محد داري عنها ! - أروى الشوشو ، الله الحافظ ! إلا صحيح هل تخرجت أروى من عليشة ؟ لم أسمع عنها منذ زمن . أصبحت أروى الآن أسطورة كغيرها من أساطير هذه الجامعة الأثرية .
بعد انتهاء النصف الدراسي الأول من سنتهما الأولى ، انتقلت لميس مع تماضر للدراسة في جامعة الأقسام العلمية للبنات بالملز حيث تدرس ميشيل أيضاً في كلية الحاسب الآلي ، وذلك لمدة فصل دراسي واحد تنتقلان بعده إلى كلية الطب البشري للبنات – في الملز أيضاً – لمدة سنتين ، تنتقلان بعدها – أخيراً – للدراسة في مستشفى الملك خالد الجامعي .
وهذه المحطة الأخيرة في دراستهن هي ما تحسدهن عليه بقية الفتيات ، ففي نفس المستشفى يدرس طلاب الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة والعلوم الطبية – وذلك قبل افتتاح كلية العلوم الطبية في عليشة . كان حلم الاختلاط بالشباب حلماً كبيراً بالنسبة لكثير من الطالبات والطلاب ، ودافعاً للبعض ممن ليست لهم أي ميول طبية للالتحاق بتلك الكليات التي قد توفر لهم مساحة أكبر من الحرية ، حتى وإن كان الاختلاط المنتظر مقيداً ولا يتجاوز الصدف العابرة أثناء الفراغات ما بين المحاضرات أو وقت الصلاة حيث لا يحلو للطلاب إلا أن يصلوا في المصلى القريب من الطالبات ، واللمحات السريعة أثناء التجول في المستشفى أو أثناء ركوب المصاعد
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الجزء الثامن الخميس يونيو 05, 2008 9:35 am | |
| الذي لا يعجبه العجب عندما تصاب المرأة بحالة يأس فإن قلبها يصبح كأكرة الباب ، أي إنسان يديرها يميناً وشمالاً . أنيس منصور)
***
أولاً أقدم لكم اعتذاري عن تأخري غير المقصود عن إرسال هذا الأيميل ، فقد تعرضت لظروف صحية منعتني من الكتابة بالأمس يوم الجمعة ، ولذلك يأتيكم إيميلي اليوم السبت ، فسامحني يا عزيزي إياد لأني أعدت لك عصر الجمعة الكئيب بعد أن تعودتعلى إيميلاتي التي صارت تخفف عنك تعاسة هذا اليوم ، واعذريني يا غادة و (أشكرك) بالمناسبة لأنك أول فتاة تعبّرني بإيميل منذ بداية هذه السلسلة الفضائحية ، لأنني لم أوفر لك مادة للتعليق أنت وزميلاتك في البنك هذا السبت ، وسامحني يا رائد أبو دم خفيف لأنني لخبطت عليك جدولك الأسبوعي وشككتك باليوم والتاريخ حتى ظننت أن البارحة هو يوم الخميس وكدت تتغيب عن العمل اليوم السبت وتأكل بهدلة بسبب إيميلي المتأخر ! وضعت أحمري الصارخ ، وصحن (طرشي) كبير إلى جانبي . أنا بحاجة لطعم لاذع هذه المرة ليذكرني بطعم ما سأكتب في هذا الإيميل .
***
عودت قمرة نفسها على حياتها الجديدة ، بعد أن اتضح لنا أن ما يقوم به راشد ليس مجرد حياء من الزوجة التي اقتحمت حياته فجأة ، وإنما أكثر من ذلك . لم تكن قمرة قادرة على تسمية تصرفاته باسمها الذي يرد في ذهنها وإن ظلت الكلمات تتسرب من عقلها إلى قلبها الوجل : ( زوجي اللي أحبه يكرهني . يبغي يطفشني ...) . تعودت بعد أسابيع قليلة من وصولهما إلى شيكاغو وبعد أن زاد تذمر راشد من كسلها وعدم مغادرتها الشقة أن تذهب للتبضع وشراء مستلزمات المنزل في نهاية كل أسبوع .
لم يكن راشد على استعداد لتعليمها قيادة السيارة بنفسه ، ولم يكن يثق بقدرتها على التفاهم مع معلم أو معلمة أجنبية بإنجليزيتها الركيكة ، فاستعان بزوجة أحد أصدقائه العرب التي عرضت تلعيمها القيادة لقاء مبلغ مالي . رسبت قمرة في الامتحان العملي ثلاث مرات متتالية فقطع راشد عليها دروس القيادة وأمرها بأن تعتاد على استخدام سيارات الأجرة في قضاء حوائجها . كانت ترتدي عند خروجها معطفاً طويلاً فوق ثيابها مع حجاب أسود أو رمادي .
حتى لباسها هذا أصبح بعد فترة مصدر إزعاج لراشد . ليس ما تلبسين ملابس عادية مثل باقي الحريم ؟ كإنك تتعمدين تحرجيني قدام أصدقائي بهذه الملابس المبهذلة ! وتسأليني ليش ما أطلع معك ! لم تتمكن قمرة ولا والدتها من استيعاب مصدر الإزعاج ولاتوبر المستمر لدى راشد، إلا أنه على الرغم من ضيقها وحزنها الشديدين فقط كانت مستعدة لعمل المستحيل لإنجاح هذا الزواج ، أو على الأقل مجرد الاستمرار فيه .
ألحت عليه في أحد الأيام أن يصطحبها إلى السينما . بعد أن وصلا واتخذا مقعده في القاعة وهي إلى جانبه ، فاجأته بنزع معطفها وحجابها ، وهي تبتسم بخجل وتحاول قراءة أفكاره في تلك اللحظة . بعد أن تأملها بطرف عينه لبضع ثوان قال لها بجلافة : - الحجاب أرحم ... البسيه بس البسيه قبل الزواج ، كانت فرحتها بالخطوبة والعريس (الكشخة) والتجهيز من لبنان بالمهر الذي لم يُدفع لأي من بنات العائلة أكثر منه ، أكبر من أن تشوبها شائبة ، لكن تساؤلات وشكوك كثيرة وجدت طريقها لنفسها مع مرور الأيام . (وشو له تزوجني إذا ما كان يبيني؟) سألت قمرة نفسها مراراً وتكراراً ، وسألت والدتها أيضاً عما إذا كانت قد سمعت من أهل راشد أنه كان مرغماً على زواجه منها ، ولكن أيعقل أن يُجبر رجل – طول بعرض – على الزواج من امرأة لا يريدها أياً كانت الأسباب ؟ لم تره قبل العرس إلا يوم الرؤية الشرعية ، وبما أن تقاليد عائلتها لا تسمح للمتقدم للخطبة برؤية العروس بعد ذلك إلا بعد أن يتم عقد القران ، ولأنه لم يكن بين العقد والعرس سوى أسبوعين ، فقد تم الاتفاق بين والدة قمرة وأم راشد على أن لا يرى راشد عروسه في تلك الفترة حتى تتمكن من الاستعداد لحفل العرس . كل ذلك كان منطقياً في نظر قمرة ، إلا أنها استغربت عدم طلب راشد من والدها أن يسمح له بمهاتفتها للتعرف عليها قبل أن يتم الزفاف ، كما فعل وليد مع سديم فيما بعد . كانت تسمع أن غالبية الشبان هذه الأيام يصرون على التعرف على خطيباتهن من خلال المكالمات الهاتفية قبل أن يتم عقد القران ، مع أن عادات أسرتها لا تسمح بالمكالمات إلا بعد العقد .
كان الزواج عندهم كالبطيخ على السكين كما يقولون ، وقد كانت بطيخة أختها الكبرى نفلة سكر زيادة بينما كانت بطيختها وبطيخة حصة قرعة . كل هذه الدقائق وملاحظاتها على شخثية راشد الصعبة و(كلاكيعه) النفسية بدأت تكبر وتكبر ككرة متدحرجة من الثلج تنحدر من قمة الجبل وهي آخذة في التضخم . ظلت قمرة تبحث بين تلك الدقائق عن السبب الحقيقي لنفوره منها ، السبب الحقيقي وراء استخفافه بها ، السبب الذي يدفعه لإجبارها على تناول حبوب منع الحمل طوال هذه الأشهر ، على الرغم من تحرقها لإنجاب طفلة منه . بدأ الشك يتسرب إلى نفس قمرة بعد مرور بضعة أشهر على زواجهما .
لم تكن معاملة راشد لها تختلف كثيراً عن معاملة أبيها لأمها ، إلا أنها كانت تختلف عن معاملة محمد لأختها نفلة وحتى عن معاملة خالد لحصة في بداية زواجهما ، وكانت تختلف كل الاختلاف عن معاملة جارهما الكويتي لزوجته التي تزوجها قبل زواج راشد من قمرة بستة أشهر .
أحبت قمرة زوجها رغم ما قابلها به من قسوة وغلظة ، وتعلقت به على الرغم من كل شيء ، فهو أول رجل تختلط به من خارج وسط محارمها ، وهو أول رجل يتقدم لطلب يدها ليشعرها بأن هناك من يحس بوجودها في هذا العالم . لم تدر قمرة هل أحبت راشد لأنه جدير بأن يحب أم لأنها تشعر بأن من واجبها أن تحبه بصفته زوجها ، لكن الشك الذي بدأ يغزو قلبها من ناحيته أقلق منامها وأيقض مضجعها وجعل أيامها سوداء بسواد أفكارها .
أثناء تسوقها في بقالة الخيّام العربية في شارع كيدزي ، كان صاحب البقالة يغني مع أم كلثوم بطرب واضح . أصغت قمرة إلى اللحن الحزين والكلمات التي لامست جرحاً غائراً بداخلها : كأني طاف بي ركب الليالي يحدث عنك في الدنيا وعني على أني أغالط فيك سمعي وتبصر فيك غير الشك عيني وما أنا بالمصدق فيك قولاً ولكني شقيتُ بحسنِ ظني تعذب في لهيب الشك روحي وتشقى بالظنون وبالتمني أجبني إذا سألتك ! هل صحيح ... حديث الناس ؟ خن ؟؟ أم لم تخني ؟ أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني .. (( معقولة راشد يحب واحدة غيري )) ؟ . اغرورقت عينا قمرة بالدموع وهي تصل بتفكيرها عند هذا الحد .
عندما زارت قمرة الرياض في عطلة رأس السنة لم يكن راشد معها . قضت بين أهلها ما يقارب الشهرين آملة أن يطلب منها راشد العودة بعد أن يمل الوحدة ، إلا أنه لم يسألها يوماً أن تعود ، بل إن إحساسها كان يقول لها أنه يتمنى أن تبقى في الرياض ولا تعود ! كم كان يقتلها مئات المرات كل يوم ببرودة ! حاولت المستحيل حتى تستميله ولكن بلا جدوى ، فقد كان راشد مثالاً لرجل الأسد بعناده الفطري وطبيعته المراوغة . كانت لميس المستشارة الفلكية للشلة تأتي بكتب خيرية حديب وماغي فرح عن الأبراج من بيروت ، وتقرأ لكل منهن مواصفات برجها ، ونسب التوافق بين ذلك البرج مع غيره من الأبراج . كانت استشارة الفتيات للميس أساسية قبل أية علاقة ، فقمرة اتصلت بها لتسألها عن مدى توافق برجها – الجوزاء – مع برج راشد – الأسد – في فترة الخطوبة ، وسديم التجأت إليها أيضاً عندما تقدم وليد – الحمل – لخطبتها ، حتى ميشيل التي لم تتحمس يوماً لهذه الأمور اتصلت بلميس بعد أن اكتشفت أن فيصلاً من مواليد برج السرطان طالبة منها المشورة حول نسب نجاح علاقتها – امرأة الأسد – به .
أهدت لميس قمرة قبل زواجها نسخة مصورة من أحد كتبها الثمينة . كانت قمرة تعيد قراءته باستمرار وتخطط على ما يناسبها منه : أنثى الجوزاء جذابة مغرية تدير بجمالها رؤوس الناس . كثيرة النشاط والحركة وصبرها القليل يتحكم حتى في مواقف الحب . إنها أصدق نموذج للمرأة الهوائية التي لا تستقر على شيء أو شخص . عاطفية بل متأججة العاطفة إذا ما لقيت الرجل الملائم الذي يرضى قلبها وعقلها وجسدها معاً .
إنها إنسانة معقدة على الرغم منها . أعصابها متوترة ومخاوفها كثيرة ، إلا أنها مثيرة ومسلية ومن يعرفها يجهل معنى الضجر . الرجل الأسد إنسان واقعي ، ذكي مقتصد لا يحب أن يضيع وقته في اللعب غير المثمر ، عصبي سريع الانفعال ، أناني وعنيد ويزأر حيث يغضب . إذا أحب فإنه يمتلك حبيبته ويغار عليها .
متسلط في حبه لكنه مندفع في الحب كبركان يطلق حمم الغرام . على المرأة الحبيبة أن تغمض عينيها ولا تبالي عندما يتدخل في شؤونها وأن لا تعظم الأمور. لا يتردد في إظهار العنف إذا راوده الشك في طاعتها وإخلاصها له ... كان أسوأ ما قرأته قبل زواجها هو نسبة التوافق بين المرأة الجوزاء والرجل الأسد التي لا تتجاوز الـ 15% ! يصعب الاتفاق والانسجام بين أنثى الجوزاء ورجل الأسد . يتعاونان لمدة معينة من أجل تحقيق النجاح العملي ، أما العلاقة العاطفية فتبقى فاترة نافرة وميالة إلى الفشل الأكيد. كانت تقرأ هذه السطور قبل زواجها وهي تتمتم : كذب المنجمون ولو صدقوا ، لكنها تقرأها الآن بإيمان أكبر ، وهي تتذكر مليكة طباختهم المغربية في الرياض ، التي كانت تقرأ لها الفنجان والكف أثناء فترة الخطوبة مؤكدة لها أن زواجها من راشد سوف يكون من أنجح الزيجات في العائلة ، وأنها سوف ترزق بكثير من الأطفال ، حتى أنها كانت تصفهم لها وكأنها ترى ملامحهم في بقايا البن المتخثرة في قاع الفنجان أو بين طيات كفيها .
حتى الويجي بورد التي شاركت صديقاتها الثلاث اللعب بها في المرحلة المتوسطة عندما جلبتها لهن ميشيل بعد إحدى رحلاتها إلى أمريكا . أخبرتها لوحة الويجي أنها ستتزوج من شاب يبدأ اسمه بحرف الراء وأنها ستسافر معه إلى الخارج . ستنجب له ثلاث أبناء ذكور واثنتين من الإناث . تحركت القطعة الزجاجية الصغيرة التي تلمسنها بأصابعهن بخفة فوق لوحة الأحرف وسط ظلام الغرفة في تلك الليلة لتدل على أسماء أبنائها واحداً واحدة ! تحاول قمرة التخلص من أفكارها الخبيثة التي تتسرطن في دماغها . تتصل بأمها في الرياض لتسألها عن كيفية إعداد الجريش وتمضي الوقت في سماع آخر أخبار أقاربهم في القصيم وجيرانهم في حي الربوة وحكايا أبناء نفلة الأشقياء وصبر حصة على زوجها خالد بانتظار أن تنضج الطبخة | |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الجزء التاسع الخميس يونيو 05, 2008 9:37 am | |
|
كيف أحبه ؟ دعني أعدد لك كيف أحبه بكل أبعادي وأنفاسي أحبه ملء كل يوم أسعى إليه بحرية كما يسعى الرجال لحقوقهم بطهارة المتعبد بعد الصلاة بأحزاني القديمة وبإيمان الطفولة بكل القديسين الذين رحلوا بدموعي وابتساماتي وإن شاء الرب سأحبه أكثر بعد الممات
( اليزابيث باريت براوننج ) .
***
وصلتني الكثير من الرسائل الغاضبة خلال الأسبوع الماضي .
البعض غاضب من راشد الجلف ، والبعض من قمرة الضعيفة ، والبقية وهم الأكثرية غاضبون علي لحديثي عن الأبراج وقراءة الفنجان والويجي بورد ، وأنا مع الجميع في غضبهم وضدهم .
أنا كما ترون وسوف ترون فتاة طبيعية ، وإن كنت مرجوجة بعض الشيء . أنا لا أحلل ما أفعل ولا أحرمه ، كل ما هنالك أنني لا أدعي الكمال الذي يدعيه البعض . صديقاتي أمثلة بيننا يتجاهل بعضنا وجودها عمداً ويغفل البعض الآخر عنها تماماً . دائماً ما تردد هذه الجملة على مسامعي : (أنت لن تصلحي العالم ولن تغيري الناس..) معهم حق ، لكنني لن أتخاذل عن المحاولة كالجميع ، وهذا هو الفرق بيني وبين الآخرين . إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، عسى الله أن يجعل كتابتي في ميزان أعمالي ، وأكرر لمن لم يفهم ! أنا لا أدعي الكمال ! أنا أعترف بنقصي وجهلي ، ولكن كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، وأنا أعمل على تصحيح أخطائي باستمرار وأقسو على نفسي في سبيل تطويري لذاتي ، لكنني وللأسف لا أجد في من حولي من يقوم بالشيء ذاته .
ليت الذين يحاسبونني يلتفتون لتقويم أنفسهم قبل أن يثوروا لتقويمي ، علناً نتوب عن بعض معاصينا بعدما نقرأها على صفحات الأنترنت . علنا نكشف أورامنا المستترة ونستأصلها بعد أن أعرض لكم عينات بشعة منها تحت المجهر .
إنني لا أرى عيباً في أن أورد عيوب صديقاتي في رسائلي ليستفيد منها الآخرون ممن لم تتح لهم فرصة التعلم في مدرسة الحياة ، المدرسة التي دخلتها صديقاتي من أوسع أبوابها ، باب الحب ! العيب الحقيقي في رأيي أن يقف كل منا ضد الآخر محاولاً النيل منه والتحقير من شأنه مع أننا نعترف جميعاً بوحدة الهدف ، ألا وهو الإصلاح ..
***
في الفالنتاين أو عيد الحب ، ارتدت ميشيل قميصاً أحمراً وحملت حقيبة من نفس اللون ، وكذلك بالنسبة إلى شريحة كبيرة من الطالبات ، فاصطبغ الحرم الجامعي باللون الأحمر ، ثياباً وزهوراً ودمى . كان العيد أيامها تقليعة جديدة استلطفها الشبان الذين صاروا يجولون في سياراتهم في الشوارع مستوقفين كل فتاة جميلة ليقدموا لها وردة حمراء ملفوفاً على ساقها (الرقم) ! واستلطفتها الشابات اللواتي وجدن أخيراً من يهديهن وروداً حمراء كما في الأفلام . كان ذلك قبل أن تمنع جميع مظاهر الاحتفال بعيد الحب في السعودية ، وتتم معاقبة أصحاب محلات الزهور الذين يقومون بتوفير الورود لزبائنهم الفي آي بيز بطرق ملتوية وكأنها بضاعة مهربة .
يمنع الاحتفال بعيد الحب في بلادنا ولا يمنع الاحتفال بعيد الأم أو الأب مع أن الحكم الشرعي واحد . مضطهد أنت أيها الحب في هذا البلد . استلمت ميشيل هديتها الضخمة من سائق فيصل الذي كان بانتظارها عند بوابة الجامعة .
كانت الهدية عبارة عن سلة كبيرة تناثرت في الورود المجففة والشموع الحمراء على شكل قلوب ، وفي وسط السلة دب أسود يحمل قلباً مخملياً قرمزي اللوز . إذا ضغطت على القلب تنبعث أغنية ياري مانلو you know I can't smile without you بصوت مضحك بعض الشيء . دلفت ميشيل (أو ذلفت باللهجة السعودية) إلى قاعة المحاضرات منتشية .
أطلت على زميلاتها اللواتي نهشت قلوبهن الغيرة وهي تقرأ لهن القصيدة التي خطها فيصل على البطاقة المرفقة بالهدية ، حتى أن عدداً منهن قام بجلب الدمى والورود في الغد كدليل لحصولهن على هدايا مثلها عشية عيد الحب .
من أجلها دُبجت هذه القصيدة ، صاحبة العينين البراقتين هي مشرقة التعبير ، كتوأمي ليدا 00 ستشف هذه الكلمات عن اسمها الجميل الكامن وسطها لتجده بنفسها ... بين السطور ، فتشن بدقة ! فهي تخبئ كنزاً مقدساً طلسماً ... تعويذة علقنها بالقرب من القلب ابحثن جيداً بين حروف القوافي بين الكلمات والمقاطع . لا تستصغرن أي شيء حتى المبتذل منها ، وإلا ضاع عليكن نتاج جهدكن ما من عقدة غوردية هنا في لغزي تستلزم سيفاَ ضالعاً لحلها فلوا استطاعت إحداكن أن تفهم الحبكة ، المرسومة على هذا الورق الذي بين أيديكم إنها كلمات كالمرآة ، تعكس روح صاحبتها ثلاث كلمات تحمل أبلغ المعاني أحرفي ربما تخدعكن ، لكنها ما زالت تحمل بين طياتها شيئاً من الحقيقة ... كفوا من المحاولة فلن تحلوا الأحجية مهما فعلتم ! لم تفهم أي منهن معنى تلك الأبيات الغريبة ، ولم تكشفن حل اللغز المخبأ وسط السطور ، فعن أي كلمات يبحثن وكيف ؟ كانت ميشيل قد اتصلت بفيصل قبل دخولها القاعة لتشكره على هديته وتسأله عن معنى القصيدة .
قال لها أنها قصيدة لإدجار آلان بو عمل على ترجمتها منذ أسابيع ليهديها إياها في يوم الفالنتاين ، وأسرّ لها أن حل اللغز سيظهر بين يديها إذا ما قرأت الكلمة المكونة من الحرف الأول من السطر الأول ، والحرف الثاني من السطر الثاني ، والحرف الثالث من السطر الثالث ، وهكذا . بدأت إحدى الفتيات بعدّ الأحرف في كل سطر وراحت الأخرى تدونها حرفاً بعد حرف بالقلم الرصاص على سطح الطاولة ، وميشيل تراقبهن باستمتاع بعد أن عرفت الحل قبلهن : السطر الأول ميم ... السطر الثاني ياء ... الثالث شين ... الرابع ياء ... لام ... عين ... باء ... دال ... ألف ... لام ... راء ... حاء ... ميم ... ألف ... نون ... صرخت الفتيات بصوت واحد : ميشيل عبد الرحمن !!! في ذلك اليوم ، بكت الكثير من الطالبات أحباء قدامى و(صارت فضائح !) وتمت مصادرة العديد من الهدايا ووقعت الطالبات اللواتي ارتدين ثياباً أو إكسسوارات حمراء تعهدات بعدم تكرار هذا الفعل في السنة القادمة .
في السنوات التي تلي كان التفتيش يتم على الملابس قبل أن تنزع الطالبة عباءتها عند البوابة ، حتى يتسنى للمفتشات إعادتها مع سائقها إلى منزلها بمجرد العثور على أية دليل للجريمة الحمراء في حوزتها ، حتى وإن كان الأحمر ، ربطة للشعر . المهم ... لم تنته هدية فيصل لميشيل عند هذا الحد ، ففي طريقها إلى المنزل ، وبينما هي تقلب الدب الأسود الناعم بين يديها ، وتستنشق عطر فيصل الأنيق (بولغاري) الذي عطره به ، انتبهت إلى قرطين ماسين على شكل قلبين علقهما فيصل في أذني الدبدوب الجميل حتى تعلقهما دبدوبته الجميلة في أذنيها
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الجزء العاشر الخميس يونيو 05, 2008 9:38 am | |
| الجزء العاشر / عندما يصبح الحزن لذة
قال لها يوماً : كل ما يريده الرجل من المرأة أن تفهمه ، فصاحت المرأة في وجهه قائلة : وإن كل ما تريده المرأة من الرجل هو أن يحبها ! ( سقراط )
*** من بين الانتقادات الكثيرة التي صارت تصلني يومياً عبر بريدي الإلكتروني ، كان انتقاد فئة كبيرة من القراء لي بسبب استشهادي بأبيات نزار قباني ، وترحمي عليه في أول إيميل . لا أعرف سبب هذه الثورة غير المبررة ! أنا أصر على أنني لم أقرأ يوماً من الشعر الحديث شعراً ببساطة شعره وبلاغة بوضوح بلاغته ، ولم أتأثر يوماً بهؤلاء الشعراء الحداثيين الذين يكتبون قصيدة من ثلاثين بيتاً تتحدث عن لا شيء ! لا أحب القراءة عن صديد الجبين المتقرح المنبثق من وراء خصر الحزن السرمدي ! ولا أنسجم إلا مع أبيات نزار الواضحة والتي لم يستطع أي من هؤلاء الشعراء الجدد مع احترامي لهم نظم مثلها رغم بساطتها . *** بعد رسوب سديم المفاجئ للجميع وهي المعروفة بتفوقها ، اقترح والدها عليها اصطحابها إلى لندن للاستجمام ، إلا أنها طلبت منه أن تسافر وحدها وتقيم في شقتهما في ساوث كينزنغتون لأنها كانت تريد أن تقضي فترة من الوقت مع نفسها . وافق على طلبها بعد تردد ، وقام بتزويدها ببعض الأرقام والعناوين لأصدقاء له يقضون الصيف هناك برفقة عوائلهم حتى تلتقي بهم إن أرادت الترفيه عن نفسها ، وحثها على ملء فراغها بالالتحاق بأية دورة تعليمية في الحاسب الآلي أثناء إقامتها هناك ، أو بصفوف لتدريس الاقتصاد حتى تستفيد منها بعد عودتها لكليتها في الرياض . لملمت سديم جرحها مع ثيابها – على رأي راشد الماجد – وقامت بشحن الجميع من عاصمة الغبار إلى عاصمة الضباب .
لم تكن لندن جديدة عليها فقد اعتادت قضاء الشهر الأخير من كل صيف فيها ، لكن لندن هذه المرة كانت مختلفة . هذه المرة كانت مصحة كبرة قرر سديم اللجوء إليها لتتجاوز العلل النفسية التي تكالبت عليها بعد تجربتها مع وليد. قبل هبوط الطائرة في مطار هيثرو ، توجهت سديم نحو حمام الطائرة وقامت بنزع عباءتها وغطاء شعرها لتكشف عن جسم متناسق يلفانه الجينز والتي شيرت الضيقان ، ووجه بريء التقاطيع تزينه حمرة الخدود الخفيفة (البلاشر) وقليل من الماسكارا ومسحة من ملمع (لب قلوس) للشفاه . أمطار لندن الصيفية التي طالما سعدت سديم بالتنزه تحتها كانت مصدر كآبة وتعاسة لها في تلك الرحلة . بدت لندن لسديم حال وصولها غائمة كمزاجها .
الشقة الهادئة ووسادتها الخالية ساعدتاها على ذرف دموع لم تكن تعلم أنها قادرة على ذرفها بتلك الغزارة وخلال تلك المدة القصيرة .
بكت سديم كثيراً ، بكاءً حارقاً . بكت الظلم الذي حل بها وأنوثتها المطعونة ، وبكت حبها الأول الذي وئد في مهده قبل أن تهنأ به ، وبكت وهي تصلي طويلاً لعل الله يهيئ لها من أمرها رشدا ، فلا أم تطمئنها ولا أخت تقف إلى جانبها في هذه المحنة ، ولا زالت لا تدري أتخبر أباها بما حدث بينها وبين وليد في آخر ليلة لهما أم تحمل السر إلى قبرها. لم يكن بيدها سوى الاستغفار والدعاء بألا يفضح وليد الخسيس السر وراء تطليقه إياها ، وألا يتحدث عنها بما يشينها بعد انفصاله عنها ... (يا رب استر علي . يا رب اكفني شره ! يا رب ! ما لي غيرك ألجأ له . أنت الأعلم بحالي ...). أدمنت سديم في تلك الفترة سماع أغاني الحزن واللوعة والفراق . استمعت خلال تلك الأسابيع القليلة لعدد من الأغاني الحزينة يفوق ما استمعت إليه منها طوال حياتها. كانت تشعر بنشوة عارمة كلما استمعت لأغانٍ مثل رسالة حب لطلال مداح أو كان يا ما كان لميادة الحناوي أو نسيانك صعب أكيد لهاني شاكر أو آه يا قاسي أنا فيك ابتليت لمصطفى أحمد .
كانت هذه الأغاني تغمرها بالحزن وتلفها كمهاد دافئ . مع مرور الأيام ، لم تعد تستمع إلى هذه الأغاني لترفه عن نفسها بل أصبحت تسمعها لتظل في جو الحزن والنشوة الذي اكتشفته بعد أن عاشت تجربة فشل الحب الأول التي عاشها معظم العشاق . تجربة سادية ماسوشية فريدة من نوعها . عندما يصبح الحزن لذة نسترجعها وقت الفرح . عندما نخلق من التجربة خيمة حكمة نجلس بداخلها لنفلسف حياتنا الموجودة في الخارج . نتحول إلى قلوب مرهفة تستشيرها أي ذكرى وتبكيها أي فكرة ، قلوب تخشى الانكسار بعد الانكسار الأول فتبقى في خيايمها حتى يأتي بدي غريب ليصلح أوتادها ، تدعوه على فنجان قهوة وتستبقيه بعدها في الخيمة حتى يؤنس وحشتها ، فتنهار خيمة الحكمة عليها وعليه ! . بعد أسبوعين من حظر التجول والحبس الانفرادي بداخل الشقة ، قرر سديم أن تتناول غداءها في أحد المطاعم التي لا يرتادها الكثير من السائحين الخليجيين ، فقد كان آخر ما تريده وهي في تلك الحالة أن تلتقي بشاب سعودي (يتميلح) بمحاولة التودد إليها.
لم تبد بحالٍ أفضل هناك مما كانت عليه بين جدران الشقة ، فقد كان جو مطعم (هش) على اسمه ، هادئاً ورومانسياً . بدت سديم كمهجورة تخلي عنها أهلها فجلست لتناول طعامها وحيدة والعشاق من حولها يتهامسون ويتناجون على أضواء الشموع .
تتذكر سديم عشاءاتها الشاعرية مع وليد وخططهما لشهر العسل . وعدها أن يذهب بها إلى جزيرة بالي ، وطلبت منه أن يقضيا بضعة أيام في لندن قبل عودتهما من شهر العسل ، فلطالما كانت تحلم بأن ترافق زوجها يوماً ما إلى الأماكن التي كانت ترتادها وحيدة لسنوات .
سوف تأخذه لزيارة متحف فيكتوريا وآلبرت ومتحف تيت ومدام تسّودز . مع أن وليد لا يستهويه الفن كما يستهويها إلا أنها ستغير من هذه الطباع بعد الزواج ، كما ستجبره على ترك عادة التدخين التي تغيظها .
سيربان الشوقا أبل ويتناولان السوشي في إيتسو في درايكوت آفنيو ، وسيغرقان معاً في كريب البلجيم تشوكليت من المحل القريب من شقتها . سوف تصطحبه إلى سهرات إشبيلية ، ولن تنسى بالطبع أن تأخذه في رحلة بحرية في برايتون ، وفي آخر أيامها في لندن ، سوف تذهب معه للتبضع من سلون ستريت الذي يضم العديد من البوتيكات الشهيرة ، سوف تجعل وليد يشتري لها أحدث موديلات الثياب والجلديات من هناك كما أوصتها أم قمرة ، بدلاً من أن تشتريها مسبقاً بمهرها . كم هي مؤلمة تلك الذكريات . فستان زفافها الفخم وطرحتها المميزة اللذان جُلبا لها خصيصاً من باريس ما زالا قابعين في خزانة ملابسها في الرياض ، كانا يمدان لها لسانيهما باحتقار كلما فتحت باب الخزانة .
لم تستطع التخلص منهما . كان شيئاً ما بداخلها ينتظر عودة وليد . لكنه لم يعد ، وبقي ثوب زفافها والطرحة شاهدين قبيحين على دناءة حبيبها وخسته. كانت مكتبة دار الساقي وجهتها في صباح الغد . قررت أن تذهب إليها سيراً على الأقدام للتمتع بالجو في ذلك اليوم الصحو . اتجهت نحو إقزبشن رود واجتازت متحف فكتوريا وألبرت وهي تتأمل آثار قنابل الحرب العالمية الثانية على جدرانه ، مذكرة البريطانيين على الدوام بمدى كراهيتهم للألمان في حال نسوها .
قطعت الهايد بارك التي تغص بألوان مختلفة من البشر والأحصنة والحمام الذي يتقافز بخفة لالتقاط ما يرمى له من حبوب هنا وهناك .
أكملت سيرها فوق الجسر وهي تتأمل المناظر الجميلة المحيطة بها. كان عليها أن تسير لما يقارب العشرين دقيقة حتى تقطع الهايد بارك وتصل إلى شارع بيزووتر . راحت تغني أغنية طويلة بعض الشيء لعبد الكريم عبد القادر (غريب ... شايل جروحي والحكي وياي... غريب ... داير وروحي هدها ممشاي ) وصلت وهي تردد بشجن ( أمشي وقلبي حزن ... أمشي ) إلى الشارع الذي صبغته أشجاره الظليلة بلون أخضر ساحر ، سارت فيه يساراً ثم اتجهت يميناً في كوينز واي وتوقفت فجأة عن الغناء خوفاً من أن تلفت إليها أنظار النشالين في ذلك الشارع المخيف نوعاً ما .
عندما وصلت إلى الوايتليس اتجهت يساراً في شارع ويست بورن قروف حتى وصلت أخيراً إلى دار الساقي الموجودة على الجهة المقابلة من الشارع وهي تفكر : كان لازم أقرأ دعاء السفر ... والله مشوار .
اشترت (العدامة) و(الشميسي) لتركي الحمد بعد أن رأت رجلاً خليجياً أربعينياً يطلبهما من البائع أمامها ، واشترت رواية (شقة الحرية) لغازي القصيبي التي كانت قد أعجبتها كمسلسل بثته شاشة إحدى الفضائيات منذ سنوات ، وأخيراً اختارت رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي بعد أن أثنى عليها البائع العراقي اللطيف ونصحها بقراءتها.
عادت إلى شقتها مستقلة الحافلة ، لتجد رسالة صوتية مسجلة من أبيها على هاتف الشقة . أخبرها بأنه قد رتب لها برنامجاً للتدريب الصيفي في أحد البنوك التي يتعامل معها باستمرار وذكر لها أن التدريب يبدأ بعد أسبوع . أعجبتها الفكرة .
عمل صيفي ومزيد من الاستقلالية وتطير الذات . بعد كتب دار الساقي والعمل البنكي لم يتبق من خططها للصيف سوى أن تدرس علم النفس على يد فرويد من خلال الكتب التي جلبتها معها إلى لندن لتتمكن من تحليل شخصية وليد حتى تصل إلى العوامل التي دفعته إلى تطليقها بلا ذنب . كانت قراءة الكتب التي اشترتها ممتعة وبخاصة روايتي الشميسي وشقة الحرية التي لاحظت اختلافاً كبيراً بينها وبين المسلسل المقتبس منها .
كان أكثر ما ضايقها أنها تجهل ما يتوجب عليها قراءته بعد ذلك ، لم تكن أي من صديقاتها المقربات محبة للقراءة حتى تستشيرها في هذا الأمر ، ولم يعجبها كثيراً أن تقلد الآخرين فيما يشترونه أو أن تلتزم باختيارات البائع دون أن تكون لديها أية خلفية عن تلك الكتب التي ينصحها بشرائها .
ودت لو أن لديها لائحة بالكتب الإلزامية لكل مثقف ومثقفة حتى تقرأها جميعاً وترتاح . وجدت في كتابات القصيبي والحمد الكثير من الأحداث والتلميحات السياسية التي ذكرتها بروايات يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس التي أدمنت قراءتها في مرحلة المراهقة .
خطرت ببالها المظاهرة التي مُنعت هي وزميلاتها من القيام بها في أحد الأيام عندما قامت جميع الدول العربية بتنظيم المظاهرات تضامناً مع الشعب الفلسطيني وانتفاضة الأقصى .
وتذكرت مقاطعة المنتوجات الأمريكية والبريطانية التي بدأت منذ فترة في بلدان كثيرة ولم تشارك فيها سوى قلة من صديقاتها ، وحتى هؤلاء لم تستمر أي منهن فيها أكثر من أسابيع قليلة .
هل كانت السياسة فيما سبق في متناول الجميع ثم أصبحت الآن في متناول القادة والحكام فقط ؟ لم لا تجد أياً من معارفها ذكوراً أو إناثاً يخوضون في معترك السياسة ويؤمنون بهذه القضية أو تلك ويدعمونها بأرواحهم كما كان عليه الحال أيام شباب غازي وتركي ؟ ما الذي جعلهم هذه الأيام لا يهتمون من السياسة الخارجية سوى بفائح كلينتون ومونيكا لوينسكي ؟ ومن السياسة الداخلية سوى بفائح شركة الاتصالات ؟ ليست المشكلة قاصرة عليها فكل زميلاتها مهمشات في الحياة السياسية ، ولا دور لهن ولا أهمية . لو كانت تفهم في السياسة ، لو أنها تدافع عن قضية معينة أو تعارض قضية ما ، لكانت وجدت ما يشغلها عن التفكير بوليد الكـ....! | |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الحادي عشر الخميس يونيو 05, 2008 9:42 am | |
| الجزء الحادي عشر / تصنيف أم نوير للفصائل البشرية .
لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم . لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم . يا حيّ يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك نستغيث . (دعاء لكشف الهم والكرب والحزن)
***
قرأت كلاماً عني خلال الأسبوعين المنصرمين في أشهر المنتديات الإنترنتية ، الإقلاع والساحات وغيرها .
بعض الكلام كان بنعومة حبيبات غسولي اليومي للوجه ، وبعضها بخشونة حجري الأسود الذي أعالج به مشكلة ركبي السود . شعرت وأنا أتابع النقاشات الدائرة حولي بأنني أشاهد مصارعة للثيران ! هل تصدقون أن أحدهم طالب بإباحة دمي؟ وكله كوم ومن تقول أنها أختي كوم آخر ! تقول أنها قد لاحظت انزواء أختها كل يوم جمعة منذ الصباح الباكر في غرفتها أمام شاشة الكمبيوتر وعندما حاولت أثناء غيابها أن تبحث ضمن ملفات جهازها عن أدلة تؤكد شكوكها عثرت على جميع الرسائل وعددها ثلاثون ، وهي على استعداد لبيعها لمن يدفع أكثر ! رزق الهبل ع المجانين .
***
بعد أن قرأت له (مدخل إلى التحليل النفسي) و ( مختصر التحليل النفسي) و (ثلاثة مباحث في نظرية الجنس) و(الحياة الجنسية) و ( الطوطم والحرام ) ، اكتشفت سديم أن فرويد ولبيدواته وطواطمه وخياره وفقوسه لن يساعدوها في حل مشكلتها ولن يشرحوا لها سبب تخلي وليد عنها . كانت قد عثرت على مؤلفين من المؤلفات المترجمة لفرويد في مكتبة جرير في الرياض ، أما البقية فكانت قد أوصت إحدى زميلاتها في الجامعة بأن تأتيها بها من لبنان قبل أن تسافر سديم إلى لندن .
لم تقنعها فلسفة سيجموند فرويد – في تفسير تصرفات وليد – كما أقنعها تصنيف أم نوير للفصائل البشرية . صنفت أم نوير لسديم – في ساعة صفاء الرجال والنساء في الخليج بناءً على عوامل عدة كقوة الشخصية والثقة بالنفس والجمال وغيرها إلى أنواع وفئات ، وهذه الأنواع تنطبق عادة على الرجل والمرأة سواء ، فمثلاً بالنسبة لوقة الشخصية فإن لكل منهما نوعين : النوع الأول قوي ومستقل والنوع الآخر ضعيف وتابع للآخرين ، وتندرج تحت النوع الأول فئتان : أولاهما المنطقي الذي يحترم آراء جميع من حوله رغم اختلافه معهم طالما كانوا يحترمون وجهة نظره هو الآخر ، والفئة الثانية ممثلة بمن لا يمكن لأحد السيطرة عليها أو عليه ومن لا بد من أن (يمشي) كلامه ولا يهمه رأي أحد .
أما بالنسبة لقسم الضعفاء والتابعين ، أو من يقال عنه أن كلمة تجيبه وكلمة توديه ، فهم نوعان : هناك النوع الذي يتم التأثير عليه من قبل الأهل وأفراد العائلة المقربين وهذا النوع لا يمكنه الاستقلال عن أهله لأنه (بدون أهله ما يسوي قرش) ، وهناك النوع الذي يتم التأثير عليه من قبل الأصدقاء وهو النوع الأسوأ ، ذلك لأنه يعتبر أن أهله ضده ولا يثق سوى بأصدقائه الذين يكونون في كثي من الأحيان أسوأ حالاً منه ، ومن ناحية العصامية فإن النوع القوي والمستقل عادة ما يعمل على تطوير نفسه بنفسه وتحسين ظروفه قدر المستطاع ، متأثراً ومستفيداً من جميع الأمثلة التي يلاحظ نجاحها من حلوه ، أما النوع السلبي أو المنقاد فإنه تنقصه المبادرة ولا يرتقي شأنه إلا بارتقاء عائلته أو محيطه ككل .
ولأم نوير تصنيف آخر يعتمد على مستوى الثقة بالنفس ، فهناك الفئة المطمئنة أو السيكيور وهذه لها نوعان : نوع معقول ويكون المنتمي لهذا النوع متصالحاً مع نفسه ، وعلى قدر واضح من الثقة بالنفس تجعل كل من حوله يحترمونه ويرهبونه ، لكنه يظل محبوباً لتواضعه وقربه من الآخرين من ناحية ، ولأنه (يستاهل يشوف نفسه شوي) من ناحية أخرى . النوع الثاني هو (الواثق بزيادة) أو (الأوفر كونفدنت) وهو نوع يشتمل على أشخاص (ما عندهم ما عند جدتي) أي ( ما عندهم سالفة) يحملون ثقة مفرطة بالنفس على الرغم من افتقارهم لجميع مؤهلاتهم ، فلا إنجازات ضخمة ولا شخصيات مميزة ولا حتى شكل يفتح النفس ، وهذا النوع مكروه وأكثر انتشاراً للأسف من النوع الأول ، والنوعين أقل انتشاراً من الفئة الثانية وهي فئة (الإنسيكيور) أو الفئة غير المطمئنة .
هذه بدورها لها قسمان : أولهما أولئك الذين يدعون ويتصنعون الثقة بالنفس أمام الآخرين دون إيمان داخلي بذلك ، والمنتمين لهذا القسم يأخذون كل كلمة تقال لهم بحساسية مفرطة ويردون عليها بعشر ويعملون من الحبة قبة كما يُقال . مستفزون ، تعلو أصواتهم أثناء أي نقاس حتى يداروا خيباتهم .
القسم الثاني لا يمثل ولا يدعي ويتضح منذ الوهلة الأولى أنهم مساكين ويقطعون القلب . يعاني أفراد هذا الصنف عادة من مشكلة ما تضعف من ثقتهم بأنفسهم أو من (السلف استيم) وتكون هذه المشكلة إما ظاهرة كعيب في الشكل الخارجي من سمنة أو قصر أو حتى أنف كير بعض الشيء ، أو معاناة معنوية ظاهرة مثل الفقر أو حتى الغباء، أو عيب خفي لا يدركه سواهم ، مثل جرح حبيب لم يندمل . التصنيف الديني قبل وبعد الزواج كان المفضل لدى سديم ، وهو التصنيف الوحيد الذي منع فيه الاختلاط بين الجنسين فجاء على شقين ، شق بصف الرجل المتدين وأخر يصف المرأة المتدينة ، ولكل منهما تفرعات أساسية مشتركة هي : النوع الملتزم أو (المطوع) والنوع المعتدل أو (النص ونص) والنوع (الصايع أو المفتلت) ! لكن الاختلافات تأتي في التفاصيل الموضحة لكل نوع . بالنسبة للرجل ، تتلخص فئة المطاوعة في نوعين : الأول (صايع وتطوع) ، والثاني (خاف أن يصيع فتطوع) ، وكلا النوعين يخشى أن يصيع بعد الزواج ، ولذلك فإنهم عادة ما يتزوجون أكثر من زوجة واحدة ويفضلون أن تكون زوجاتهم على الدرجة نفسها من الالتزام الديني أو أكثر . أما فئة المعتدلين فلها نوعان : نوع ملتزم دينياً لكنه يختلف عن النوع الأول في لينه مع المرأة وعدم تدخله في شؤونها ، وفقد يتزوج هذا النوع من امرأة متحررة نسبياً ولا يجد غضاضة في ذلك إذا كان واثقاً من حبها ومتأكداً من أخلاقها ، أو أن يكون من النوع الثاني ، العلماني كما يسمونه .
الرجل من هذا النوع يؤمن بأن الإسلام بني على خمس ، ولا أكثر من ذلك فيما يتعلق بالعبادات ، ولذلك فهو مواظب فقد على الصلاة المفروضة والصيام في شهر الصوم وبعد أن يحج يتملكه الشعور بأنه قد كفى ووفى . هذا النوع لا يرتبط سوى بفتاة تشبهه من ناحية التحرر الديني أو تفوقه تحرراً ، لا يرضى هذا النوع مثلاً بالاقتران بفتاة محجبة ويشترط في شريكة حياته أن تكون جميلة و (أوبن ما يندد) و(ستايل) حتى يفاخر بها أمام الآخرين ممن لهم نفس أفكاره .
الرجل الصايع أو المفتلت يأتي على نوعين : إما أن يكون قد نشأ في بيئة متشددة دينياً وأخذبال(فلتان) دينياً وأخلاقياً ( أفضل هذا التعبير على تعبير الانحلال الذي أراه تعبيراً فظاً ) تدريجياً مع كل فرصة سانحة بعيداً عن سلطة هذه البيئة ، وهذا النوع قد يتصنع الانتماء للنوع الأول في حياته الظاهرة منعاً للإحراج الاجتماعي . رجل النوع الآخر يكون قد تربى منذ صغره في بيئة انفلات ديني لدرجة الإلحاد ، أو أخلاقي لدرجة تغييب شتى الروادع ، ومن شب على شيء شاب عليه .
مشكلة هذا النوع من الرجال هي الشك المرضي ، فللأسف ونظراً لتجاربهم السابقة مع فئة البنات الصايعات – التي سيتم التطرق لها لاحقاً – فإنهم يؤمنون بأن كل فتاة صايعة حتى تثبت براءتها ، وهذا النوع بفتئتيه يحرص على الزواج من فتاة ليست لها أية تجارب سابقة لأنه يقيس الأمور على ضوء تجاربه السابقة ، أو يتزوج من فتاة لعوب تعرف كيف تلعب اللعبة بدهاء ، و (تلبسه السلطانية) . زوجات الرجال من هذا النوع مظلومات لأنهن يعرفن جيداً طبيعة أزواجهن الشكاكة ، وعليهن مراعاة ذلك والتصنع في كثير من الأحيان حتى لا تفسر تصرفاتهم على غير ما يعنين بها ، وهذا ما حدث مع سديم التي لم تكتشف حقيقة وليد إلا متأخرة وبعد أن ظن بها ظن السوء وأعرض عن الارتباط بها. تأتي الآن للتصنيف المقابل لما سبق لدى النساء ، فالمرأة (المطوعة) نوعان : نوع تربي بتلك الطريقة منذ الصغر ولم تتعرض لأي مؤثرات خارجية مضادة ، والمرأة من هذا النوع قد تكون محظوظة بالزواج ممن هو مثلها تماماً فيعيشان حياة هادئة ومستقرة طالما ظل كل منهما راضياً يما قسمه الله له ، أو أن تكون تعيسة الحظ فتتزوج من شخص أكثر تحرراً منها (مدردح) فتعجز عن إرضائه لفشلها في فهم احتياجاته التي لا تتماشى مع ما تربت عليه . النوع الثاني من المطوعات من عشن في بيئة من ذلك النوع لكن حلم الانطلاق والتحرر كان يراودهن دوماً .
هذا النوع قريب من النوع الأول فالنساء من الصنف الأول هنّ المحصنات الغافلات أي اللاتي يستعففن لغفلتهن عن ما يدور(آوت ذير) ! أما النوع الثاني فهن يستعففن بإرادتهم أو بالأحرى تحت إرادة أهاليهن ورقابتهم . الفئة الثانية هي فئة النص ونص ، وهذه نوعان : نوع يأتي بحسب العرض والطلب مثل صديقتها قمرة على سبيل المثال والتي تغير حجابها مع تغير فصول السنة ، فإذا كانت الموضة في تلك الفترة حضور الحلقات الدينية مع ارتداء الحجاب خارج حدود المملكة فهن فهنّ مع الموضة أو (مع الخيل يا شقرا) ، وإذا كانت الموضة في تلك الفترة تحرراً من الحجاب في الخارج وانتشاراً في الأسواق في الداخل بالعباءات المخصرة التي تحدد معالم الجسم فهن مع ذلك أيضاً .
ينبغي التنويه هنا أن الموضة تخضع لطلبات الأزواج أو الباحثين عن زوجات أو لطلبات الأمهات اللواتي ينقبن عن عرائس لأبنائهن في تلك الفترة. النوع الثاني من فئة المعتدلات تمثله المرأة المتدينة دون الحد الذي يسمح لها بالانضمام لفئة المطوعات وأعلى من الحد المسموح به في فئة المتحررات. النساء من تلك النوعية تردعن الأخلاق عن ارتكاب الأخطاء أكثر مما يفعله تدينهن تتميز المرأة من هذا النوع بشخصية قوية وصلبة وقد يتم إدراجها خطأً ضمن الفئة الثالثة لأنها لا تلتزم بجميع قوانين الفئة الأولى .
المتحررة أو (المجربة) تمثل الفئة الثالثة من النساء ، وهي إما صايعة قبل الزواج أو بعده أو الاثنان معاً ، فالصايعة قبل الزواج عادة ما تصلح من حالها بعده وقد تتحول إلى امرأة ملتزمة جداً أو معتدلة الالتزام ، لكن ذلك متوقف على زوجها ، فهي إن تزوجت من شخص لا يناسبها فإنا تبقى ضمن فئة الصايعات حتى بعد زواجها ...أما الصايعة بعد الزواج فهي عادة ما تكون من إحدى الفئتين الأولى أو الثانية لكنها تصيع بعد زواجها بسبب عدم تأقلمها مع متطلبات زوجها المتحرر أو بسبب خيانة زوجها لها .
تصنيفات معقدة كتبتها سديم نقلاً عن أم نوير وما زالت بعد كتابتها بأشهر تحاول استيعابها ، تتضح صحتها أكثر فأكثر مع مرور كل يوم تعيشه سديم في مدرسة الحياة التي استقت منها أم نوير معلوماتها . أم نوير التي مرت بعدد بسيط من التجارب (البريئة) في الكويت قبل زواجها ، وتجربة واحدة(غير بريئة) في السعودية بعد طلاقها ، لكن ذلك ليس موضوعاً الآن . ذكرتها سواليف أم نوير الخاثرة بسهراتها مع صديقاتها الثلاث في بيتها .
ذكرتها بحلاوة الزلابية ونعومة الدرابيل التي كانت تقدمها لهن مع الشاي . طارت بها الذكريات إلى منزلها في الرياض . إلى الباب الحديدي وقضبانه المذهبة الأطراف الذي طالما وقفت خلفه بعد صلاة العشاء بانتظار قدوم وليد ، الأرجوحة القريبة من حمام السباحة والتي طالما سهرت عليها بين أحضانه ، غرفة الضيوف التي رأته فيها لأول مرة ، التلفاز الذي يتوسط الصالة التي تابعت معه فيها عدداً من الأفلام ، والغرفة التي شهدت ميلاد الحب ووفاته . هل مات فعلاً حبها لوليد ؟ قامت لتشغل المسجل . التقطت شريطاً من بين الأشرطة المتناثرة فوق أرضية الغرفة .
وضعته في جهاز التسجيل قبل أن تعود إلى فراشها وتتكور فيه كجنين في بطن أمه ، وتستمع بحزن لعبد الحليم وهو يغني : من دمعة من حرقة ألم من صرخة جرح من قلب انظلم باعتب على اللي خان واعتب عليك يا زمان قربتني للجنة وخدتني للحب ولما جيت أتهنى ، جرحتني في القلب دمعت عيناها وهي تغمغم بكلمات الأغنية بصوت تخنقه العبرة . جاءت الأغنية التي تليها مؤلمة في كلماتها ولحنها وغناء العندليب الرقيق ، استمعت إليها بانكسار وهي تدغدغ الزغب الخفيف حول شفتيها بلحافها الناعم : عرفته قد ما عرفته ولا عرتوش وشفته قد ما شفته ولا فهمتوش كان بيقول لي باحبك أيوه كان بيقول وأنا من لهفة قلبي صدقته على طول وما كنتش أعرف قبل النهارده إن العيون دي تعرف تخون بالشكل ده ولا كنت أصدق قبل النهارده إن الحنان يقدر يكون بالشكل ده لم تشعر سديم بانتهاء ذلك الوجه من الشريط إلا بعد إصدار المسجل لذلك الصوت المزعج الذي يدل على تغيير وجه الشريط .
راحت تمسح دموعها التي أغرقت الوسادة ، وتسغي إلى صوت ميادة وهي تناجي حبيبها الظالم ، وليد القاسي . قول لي يا للي كنت أغلى الناس عليّا جبت قلب منين يطاوعك ع القسيّة ريحني قول لي حكايتك إيه جرحت قلب حبيبك ليه قسيت علينا ليه ليه غدرت بيا ليه ليه قسيت علينا .. غدرت بيا قول لي يا للي كنت أغلى الناس عليا جبت قلب منين ! مني منين جبت قلب منين يطاوعك ع القسية يا باكي ع اللي خان إبكي النهارده كمان وخلص الأحزان بدال ما تبكي سنين يا باكي ع اللي خان إبكي النهارده كمان بس إوعي دمعة تبان تفرّح الخاينين بكت سديم ، وبكت ، وبكت ، وحيدة في شقتها اللندية ، علها تخلص الأحزان ، بدال ما تبكي سنين ، وتفرّح الخاينين . | |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الثاني عشر الخميس يونيو 05, 2008 9:44 am | |
| الجزء الثاني عشر / حياة ( لابأس بها ) ..
حدثنا آدم قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا الحكم ، عن إبراهيم ، عن الأسود قال : سألت عائشة : ' ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ ) قالت : ' كان يكون في مهنة أهله – تعني خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ' . صحيح البخاري :
***
لم أتوقع صراحةً كل هذا التفاعل مع إيميلاتي المتواضعة ! لق بدأ المشروع في ذهني منذ حوالي خمس سنوات ، أي منذ بداية قصة صديقاتي كما أكتبها لكم الآن ، لكنني لم أعمل على تحقيق الفكرة سوى مؤخراً ، بعد أن لاحظت أن طاقة ذهني الاستيعابية قد استُنفذ جُلّها ، وجاء الوقت الذي يجب أن أعصر فيه إسفنجة عقلي وقلبي بقوة حتى أتمكن من استيعاب المزيد في حياتي لاحقاً .
***
لم تكن العلاقة الزوجية بين راشد وقمرة بالعلاقة السينمائية المثالية إلا أنها لم تكن تعيسة في نفس الوقت .
كان راشد منصرفاً عنها إلى دراسة وتاركاً لها مسؤولية الاعتناء بالمنزل بعد أن لاحظ عدم حماسها للالتحاق بالجامعة ، وغرم صعوبة ذلك فلي البداية ، إلا أنها تعلمت تدريجياً كيفية الاعتماد على النفس وأصبحت تمتلك من الجرأة في سؤال المارة عن العناوين أو سؤال البائعين عن الأسعار ما لم تكن تمتلكه من قبل . كانت لقاءاتها وراشد معدودة ، إلا أنها كانت تحصل في المقابل على كل ما تحتاجه من نقود متى طلبت ، ودون أن تطلب في أغلب الأحيان .
حتى احتياجاتها (الأخرى) ، كان يعطيها منها ما يكفيها بين الحين والآخر . لم تكن قمرة قادرة على المقارنة بين ما يعطيه إياها وبين ما يمنحه الرجال الآخرين لنسائهم ، لكن ما كانت تحصل عليه كان مرضياً بالنسبة لها .
وحدها احتياجاتها النفسية لم يكن يلتفت إليها ، ومع ذلك فقد كانت تعتبر نفسها أوفر حظاً من كثير من قريناتها . اكتشفت طيبة راشد بعد معاشرتها له ، مع أن هذه الطيبة لم تكن تظهر بوضوح في تعامله معها ، لكنها لمستها في تعامله مع الآخرين ، أمه ، أخواته ، العامة في الشارع ، الأطفال ! كان راشد يتحول إلى طفل صغير أمام أي طفل يلتقيه ، يلاعبه ويداعبه برقة وحنان لا مثيل لهما .
اقتنعت بأن راشد سيحبها مع الوقت ، فهو في بداية زواجهما كان جافاً معها ، لكنه مع مرور الأيام صار أكثر تقبلاً لها وأقل حدة معها ، رغم أنه ظل يثور عليها أحياناً لأسباب تراها تافهة ، لكن أليس جميع رجال نجد كذلك ؟ لا تظنه مختلفاً عن أبيها وإخوتها وعمومتها وخالها وأبنائهم .
كان هذا هو طبعه ، وهذا ما كان يصبرها . إنما للصبر حدود وحد صبرها كان (كاري)! كان أكثر ما يغيظها في راشد عدم استشارته لها في أي من الأمور المتعلقة بالمنزل فحينما أراد تركيب جهاز استقبال للقنوات التلفزيونية ، اختار الباقة التي تضم قنواته المفضلة ، مع أنها لا تضم قناة إتش بي أو التي تعرض مسلسلها المفضل(سكس آند ذا سيتي) المسلسل الذي يتحدث عن العلاقة بين الرجال والنساء ، تتابعه قمرة بشغف وإن كانت لا تفهم من حوارات أبطاله إلا القليل .
أغاظها تصرفه كثيراً خاصة عندما أظهر عدم اكتراثه بثورتها . كان كمن يقول أن لا شأن لها في تحديد أساسيات هذه الشقة ، وكأنها شقته وحده!. ظل يثيرها في أمور من هذا القبيل كل يوم ، ومع ذلك فالويل لها إن نسيت تجهيز ثيابه كل مساء ، وكيها قبل أن يستيقظ من نومه كل صباح ، ولا يحق لها أن تطالبه بمساعدة في ترتيب المنزل أو إعداد الطعام أو غسل الصحون ، مع أنه معتاد على معيشة العزوبية طوال سنوات دراسته بأمريكا ، أما هي فقد كان يحيط بها الخدم في منزلهم بالرياض ، يأتمرون بما تقوله لهم ويوفرون لها ما تطلب هي وإخوتها في لحظات .
كان راشد يقضي وقتاً طويلاً في الجامعة ، وعندما كانت تسأله عن سبب تأخره اليومي كان يخبرها أن يجري بحوثاً على الإنترنت باستخدام أجهزة الكمبيوتر المتوفرة في مكتبة الجامعة .
في الأشهر الأولى كانت قمرة تمضي وقتها أمام التلفاز أو في قراءة روايات عبير التي جلبتها معها من الرياض ، أو تعيد قراءة روايات بيار روفايل التي عرفتها سديم عليها وهما في المرحلة المتوسطة . كان لدى راشد في الشقة جهاز كمبيوتر لا يستخدمه ، سمح لها باستخدامه إن هي أرادت ذلك ، لكنه لم يكن متصلاً بشبكة الإنترنت . قضت قمرة أشهراً في التعليم على استخدام الكمبيوتر . كان راشد يساعدها أحياناً لكنها كانت تحاول الاعتماد على نفسها إلى حد كبير . كانت تلاحظ إقبال راشد وحرصه على تقديم المساعدة كلما لاحظ إصرارها على التعلم وحدها وعدم لجوئها إليه في كل صغيرة وكبيرة كما كانت تفعل في بداية زواجهما . هل يشعر الرجل بتهديد لسلطته عندما يرى بوادر تفوق المرأة ؟ هل يخاف الرجال من استقلالية نسائهم ؟ وهل يظنون أن استقلال المرأة وتحقيقها لذاتها هو اغتصاب غير مشروع لصفة القوامة التي أثبتها الله لهم ؟ اكتشفت قمرة قاعدة مهمة في التعامل مع الرجل ، وهي أن الرجل يجب أن يشعر بقوة المرأة واعتمادها على نفسها ، ويجب أن تفهم المرأة أن علاقتها بالرجل ينبغي ألا تقتصر على الحاجة ، حاجتها لنقوده ، ولقيامه بمسؤوليات المنزل ، وحاجتها لعنايته بها وبأطفالها ، وحاجتها قبل كل شيء للشعور بأهميتها في هذا الكون التي هي بحاجة – مع الأسف الشديد – لرجل حتى يُشعرها بها . بينما كانت قمرة تتصفح بعض الملفات التي تحتوي على صور لخلفيات الجهاز وقعت عيناها على ملف يحوي عدداً كبيراً من الصور لامرأة من شرق آسيا ، عرفت بعدها أنها من اليابان ، واسمها كاري . بدت كاري رغم ضآلة جسمها كغيرها من الشرق آسيويين ، في سن قريبة من سن راشد أو أكبر منه بقليل ، وكانت تظهر في بعض الصور إلى جانبه وهما مستلقيان باسترخاء فوق الكنبة في نفس الشقة التي تسكنها قمرة الآن معه ! لم تكن المسألة حينها بحاجة إلى تفسير .
شكلت تلك الصور الحلقة المفقودة في سلسلة الفتور غير المبرر في علاقة راشد بها ! كان راشد على علاقة بهذه الفتاة قبل زواجه بقمرة وليس ببعيد أن يكون على علاقة بها حتى الآن! توالت الدلائل بعد ذلك تباعاً ، فعلاوة على سهراته اليومية مع كاري على الإنترنت أو الهاتف (وما أدراها ؟!) ، اعتاد راشد أن يقضي يومين من كل شهر خارج المنزل مع (أصدقائه) في رحلة برية .
كانت ترحب بتلك الرحلات التي تفعل براشد فعل السحر فيعود لها منشكحاً وسعيداً ومبالغاً في إظهار مودته ، حتى أنها كانت تشعر بالامتنان نحو (أصدقائه) وتنتظر رحلة الشهر التالي بفارغ الصبر كشف تمكن من إخفاء علاقته بهذه المرأة لمدة تسعة شهور ؟ وكيف لم تتمكن قمرة من اكتشاف علاقة زوجها بامرأة أخرى ؟ لقد كانت الأشهر الأولى بعد زواجها به صعبة بحق ، إلا أنه تغير بعدها تدريجياً وصار زوجاً نجدياً تقليدياً أشبه بزوج أختها حصة ، فكيف استطاع أن يمثل عليها طوال هذه المدة ؟ هل كان يلتقي تلك المرأة باستمرار ؟ وهل تسكن معهم في نفس الولاية أم أنه كان يسافر إليها كل شهر ؟ هل يحبها ؟ هل ينام معها ويجبرها على تناول حبوب منع الحمل كما يفعل بزوجته ؟ لو أن أحداً أخبرني أن قمرة المستكينة سوف تفعل ما فعلته لما صدقته قبل أن أراها بعيني ، فالزوجة الصغيرة حملت السلاح وقررت أن تقاتل دفاعاً عن زواجها وتصارع من أجل بقائه . لم تخبر أحداً باكتشافها المؤلم سوى صديقتها سديم ، التي أخبرتها بأمر انفصالها عن خطيبها وليد بعد عقد القران .
شعرت أن صديقتها الهاربة إلى المنفى اللندني هي الأقدر على تفهم مشاعرها في تلك الفترة ، رغم أنها لم تعرف سبب انفصال سديم عن وليد إلا بعد ذلك بسنة . حذرتها سديم خلال مكالماتهما اليومية من أن تخبر راشداً عن اكتشافها ، ونصحتها باتباع خطة الدفاع عوضاً عن الهجوم الذي لا تمتلك أسلحة كافية من أجله : - ما قدامك إلا أنك تقابلينها وتتفاهمين معها . - وش أقول لها ؟ ابعدي عن جوزي يا خطافة الرجالة !؟ - لا يا بنتي . تجلسين معها وتحاولين تعرفين منها طبيعة علاقتها بزوجك ومن متى هالعلاقة . ما تدرين ! يمكن حتى يكون مخبي عنها أنه متزوج ! . - أنا باموت واعرف وش لقى فيها ذي القردة أم عيون ممغطة؟! . - أهم من إنك تعرفين وش لقى في شكلها ، إنك تعرفين وش لقى في شخصيتها. ما يقولون اعرف خصمك ؟! هل أصابت قمرة عندما قررت أن تحارب من أجل الحفاظ على استقلال مملكتها ؟ أم أن الزواج الناجح في الأساس هو ما لا يحتاج إلى حروب لاستمراره ، وعلى ذلك فإن كل زواج يستدعي الحرب هو زواج محكوم عليه بالفشل مسبقاً ؟ عثرت على رقم هاتف كاري وعنوانها في مفكرة راشد .
كان لها قزماً في اليابان (منه عرفت أنها يابانية) ورقماً في ولاية إنديانا القريبة التي درس فيها راشد الماجستير . اتصلت قمرة بكاري على الرقم الثاني وطلبت منها لقاءها بعد أن عرفتها بنفسها . ردت كاري بهدوء معلنة موافقتها وأخبرتها أنها مستعدة لزيارة شيكاغو لرؤيتها في أقرب فرصة! كان ذلك بعد اكتشاف قمرة للعلاقة المحرمة بين زوجها وتلك المرأة اليابانية بحوالي شهرين ، بذلت فيهما الكثير من المجهود حتى تسيطر على انفعالاتها المتضاربة وكي لا يشعر راشد بأي تغير من ناحيتها قبل موعد لقائها بعشيقته .
انقطعت قمرة خلال هذه الشهرين عن تناول أقراص منع الحمل دون استشارة والدتها التي تعرف رأيها مسبقاً (مالك إلا عيالك يا بنيتي) العيال يربطون الرجال .. لم تكن قمرة تريد أن يكون الأطفال هم الرابط الوحيد أو بالأحرى المُجبر الوحيد لراشد للاستمرار معها ، لكنه هو من اضطرها لذلك ، ولذا فليتحمل مغبة أفعاله ! وليتحمل أبناؤهما مغبة أفعالهما كليهما !. الدوار والغثيان الصباحي مع الاستفراغ المزعج ، عوارض الحمل المعروفة والتي كانت قمرة تنتظرها بفارغ الصبر قبل أن تتصل بكاري .
ذهبت إلى السوبرماركت الموجود في أسفل العمارة التي يسكنانها لتحصل على ما يؤكد لها شكوكها . لم تعرف وجهتها هذه المرة فلجأت لإحدى البائعات هناك وهي تشير إلى بطنها بيديها بشكل كروي : -آي... آي ... بريقنانت ! - أوه !! كونقرا جيوليشنز مام ! لم تحب قمرة يوماً اللغة الإنجليزية ولم تكن بارعة فيها كصديقاتها ، كانت تنجح كل عام بصعوبة وفي إحدى السنوات لم تنجح إلا في امتحان الدور الثاني بعد أن أشفقت عليها المعلمة ومنحتها من الدرجات أكثر مما تستحق . - نو... ! آي آي بريقنانت ... هاو ؟ وهي تبسط كفها الأيمن بإشارة : كيف ؟ - (والحية بادية على وجه البائعة السمراء) سوري ماي دير ، بت آي دونت قت وات يومين ! - (وهي تشير إلى نفسها بسبابتها مكررة) مي ... مي ... هاو بريقنانت؟؟ هاو بيبي ؟ هاو ؟؟؟ نادت البائعة اثنتين من زميلاتها البائعات وتبرعت إحدى المتسوقات العجائز للمشاركة في حل اللغز وفك طلاسم ما تقوله قمرة .
بعد عشر دقائق من الشرح والإشارات حصلت قمرة أخيراً على ما تريد ، اختبار منزلي لكشف الحمل .
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الثالث عشر الخميس يونيو 05, 2008 9:45 am | |
| الجزء الثالث عشر / المواجهه بين اللي تسوى واللي ماتسوى ..
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خادماً له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئاً . سنن ابن ماجه :
***
سمعت أن مدينة الملك عبد العزيز تسعى لحجب مواقع البريد الإلكتروني التي أبعث رسائلي الأسبوعية من خلالها ، من باب سد الذرائع ودرء المفاسد . أعرف أن معظمكم يعرف ألف طريقة للوصول إلى المواقع المحجوبة ، لكنني قد أموت متكهربة إن تم هذا الحجب قبل أن أفرغ لكم ما في صدري من شحنات سالبة وموجبة تأبى التعادل بداخلي ! لم أطلب سوى مساحة صغيرة على الشبكة العنكبوتية أتربع في وسطها لأسبحن عليكم ، فهل كفرت ؟! على العموم ، أعرف أنني لو لم أكمل لكم اليوم ما حدث مع قمرة لتطوع أحدكم بالقضاء على جهازي بفيروس لا يمكن الخلاص منه ولذلك فإني لن أتعب أعصابكم لمدة أسبوع آخر .
(ملاحظة صغيرة بخصوص الحوار في هذا الإيميل ) لغير الناطقين بالنجدية : التاس والسين تعادلان الكاف ، وذلك في بعض المدن كالقصيم ، كما تعادل الجيم الكاف في بعض الدول الخليجية كالكويت .
***
بعد أن قضت ساعات طوال تحت يدي مصففة الشعر ، وبعد أن تزينت بمجوهراتها الثمينة التي لم ترتدها منذ مغادرتها الرياض ، اتجهت قمرة نحو الفندق الذي نزلت فيه كاري ، وهي تحذر وساوسها الثائر من أن يقنعها بخنق تلك الساقطة حال رؤيتها لها. كار- التي أرتني قمرة فيما بعد صورة للممثلة الصينية لوسي لو لتخبرني أنها نسخة منها – نزلت إلى بهو الفندق لتلتقي بقمرة التي قتلها الانتظار ، مدت لها يداً لم تلتقطها قمرة ، التي كانت ما تزال في صراع مع وسواسها الثائر .
اتخد اللقاء منحى غير الذي رسمته سديم لصديقتها . كانت كاري هي التي تدير دفة الحوار ، تبدأ حديثها وتنهيه بثبات وثقة دون أن ترتبك أو تتلعثم في انجليزيتها كغريمتها. - أنا سعيدة بلقائك . لقد سمعت كلاماً كثيراً عنك من راشد .
أظن أن رغبتك بملاقاتي هي تصرف حكيم من قبلك . - هذه المرأة الملعونة ! كيف تجرؤ ؟ - يسعدني طبعاً أن تريني حتى تكوّني فكرة عما يحبه زوجك . لقد عانى راشد الكثير ولا بد من أن تعملي على تحسين نفسك من الداخل والخارج حتى ترتقي للمستوى الذي يستهويه ، حتى ترتقي لمستواي ! كانت القطة قد أكلت لسان قمرة التي لم تتوقع هجوماً مثل هذا ! بعد أن سمعت لما قالته كاري انفجرت في وجهها صارخة : - شت أب ! يو بتش ! يو تيك ماي هزبند آند يو توك ؟!! الترجمة لغير الناطقين بالفنزويلية : جعلتس اللي ماني بقايلة ! بعد لتس عين تحتسين بعد ما خيتي رجلي ؟! يو مانز ثيف !! ( يا خطافة الرجالة بس بالإنجليزية ) قسم بالله آي ول كل يو! أنا أوريتس يا حيوانة !! ( والله لأخلص عليك ، وأظن الباقي واضح !). تتفجر كاري ضاحكة وتشعر قمرة بذاتها تنكمش وتتضاءل أمام عدوتها . بمنتهى الصفاقة ، اتصلت كاري براشد أمام عيني زوجته لتخبره أنها في شيكاغو وأنها آتية للقائه حيث يكون .
** لم تكن قمرة بحاجة لمن يخبرها كيف سيكون شكل راشد (الأسد) عندما يأتيها بعد أن تطلعه عشيقته على تفاصيل ما جرى بينها وبين زوجته ، ولذلك كانت قد أخرت لقاءها بالساقطة حتى تأكدت من حقيقة حملها . علمتها سوالف الحريم التي طالما سمعتها من أمها وقريباتها أن الحمل هو الطريقة الأضمن لاستمرار الحياة الزوجية ، أقول استمرارها ولا أقول نجاحها . دخل عليها بعد أقل من ساعة من لقائها بكاري ، وليته لم يدخل .. - قومي قدامي - وين ؟! - بتعتذرين لكاري عن اللي سويتيه فيها وعن الكلام الزبالة اللي قلتيه لها . مهوب أنا اللي تسوين معه هالحركات يا قمير ، فاهمة وإلا لأ ؟! إذا اهلتس ما عرفوا يربونتس أنا اللي باربيتس ! - أنت منت بصاحي ! والله لو تموت ما رحت !! كأنا أعتذر لهالفلبينية ؟! وعلى إيش !! مين فينا اللي لازم يعتذر للثاني !؟ أنا والآ انت وهي !!؟؟ - (ممسكاً بذراعها بعنف ) شوفي يا حرمة ! الجيّة بتجين والاعتذار بتعتذرين ، ومن بعدها بتركبين أول طيارة وتطسين على بيت أهلتس ولا عاد أبغي أشوف خشتس هنا مرة ثانية . موب أنا اللي واحدة مثلتس تمشي كلامها عليه ! - إيه هين !! أنا حرمة وهي الليدي اللي ما ترضى عليها كلمة!! وش معنى الشغالات اللي ترضى لهم يمشون كلامهم عليك؟!! أتتها الصفعة مدوية على خدها الأيمن ! - هالشغالة تسواتس وتسوى أهلتس بعد ، انتي فاهمة ؟!! على الأقل هاذي ما جا أبوها يتلصق بأبوي لين زوج بنته لولده وهو داري إن الولد يحب له واحدة بأمريكا وعايش معها له سبع سنين! هذي الشغالة حبتني ووقفت جنبي وسكنتني في بيتها يوم ما كان بجيبي قرش ، يوم ما أهلي رفضوا يزوجوني إياها وقطعوا عني المصروف ثلاث سنين ! هذي اللي ما هي عاجبتس ما ركضت وراي عشان الفلوس وحلال أهلي ! هذي اللي موب عاجبتس أصدق وأشرف منتس ومن أهلتس بستين ألف مرة ! توقف ذهن قمرة عن الاستيعاب بعد الصفعة المؤلمة ، كان كل ما قاله راشد بعدها من إهانات مجرد امتداد للصفعة التي لا تريد أن تنتهي ! دون أن تعي ما تقول وأن الوقت غير مناسب أبداً لتصريح مثل هذا (هل يجوز استخدام الأطفال كدروع بشرية وقت الحروب الزوجية ؟ ) قالت وسط دموعها وهي تتحسس موضع الصفعة بانكسار بإحدى يديها وبطنها باليد الأخرى : - أنا حامل .
يخفت صوت قمرة تدريجياً مع تساعد الموقف ، ويرتفع صوت راشد الذي تحول إلى كتلة من غضب وصارت عيناه جمرتين حمراوين مشتعلتين : - وشو ؟! حامل ! انتي حامل !! كيف وشلون ؟!! من سمح لتس تحملين ؟؟ إنتي ما تاخذين حبوب ؟ إحنا ما اتفقنا على أنه ما في حمل إلى أن أخلص الدكتوراه ونرجع للسعودية ؟؟ انتي محسبة انتس تلوين ذراعي بهالحركات الوسخة؟!! - أنا اللي حركاتي وسخة ! أنا اللي أبغي أعلّق واحدة ما لها ذنب معي سنين وأخليها تشتغل عندي خدامة إلى أن آخذ شهاديت وأرميها بعدها مثل الكلبة؟؟ أنا اللي أتزوج بنت الناس وأثرثر من وراها مع اللي تسوى واللي ما تسوى ؟!!! تأتيها الصفعة الثانية فتسقط على الأرض وهي تولول بحرقة .
غادر راشد الشقة إلى أحضان (اللي ما تسوى) تاركاً قمرة تسب وتلعن وتلطم خديها وتبصق عليه باستحقار وهي في حالة من الهستيريا أقرب للجنون !
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: الرابع عشر الخميس يونيو 05, 2008 9:47 am | |
| الجزء الرابع عشر / عن ميشيل وفيصل أحدثكم .
الحب مشاعر قلبية لا سيطرة للإنسان عليها ، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، ولولا أن الحب من أغلى الأشياء ، لما ذهب كثير من زمن الأنبياء فيه ، وقد جاء تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المفهوم بأن نار الحب إذا اشتعلت لا يطفئها إلا النكاح وذلك بقوله : (لم ير للمتحابين مثل النكاح) ابن ماجة : 1847، فالحب الذي يبقى مقيداً بلجام العفاف والتقوى لا حرج فيه ، وسبيله الوحيد النكاح، فإن لم يحصل كان الصبر مع مرارته هو الحل الوحيد . إننا نفرق بين الحب كممارسة وسلوك وبين الحب كمشاعر ، فالحلال منه إذا كان مجرد مشاعر ، أما إذا تحول الحب إلى سلوك كلمسة وقبلة وضمة ففي هذه الحالة يكون حكمه حراماً وينتج عنه سلبيات كثيرة لأنه من الصعب على المحب ضبط حبه ، ولكن ما هو الحب الذي نريده ، نريد الحب الذي يغير القلوب والنفوس . نريد الحب الذي يدفع بأصحابه للقيام بأعمال يسطرها لهم التاريخ كأحلى قصة بين متحابين . (موقع جاسم المطوع الإلكتروني)
***
أصبحت تستهويني قراءة تعليقاتكم على القصة ، فبعد إيميلي الأخير وصلني ما يقارب مائة رسالة ! قرأتها جميعاً لأتكد أننا شعب اتفق على ألا يتفق ، فمن متعاطف مع قمرة إلى محتقر لها ومن مؤيد لراشد إلى ناقم عليه . أؤكد لكم أنني استمتعت بقراءة كل رأي من آرائكم المتباينة حتى التي أختلف معها . سعيدة أنا بمتابعتكم رسائلي ، وسعيدة أكثر باختلافاتكم لأنها تشير إلى بداية تكوين بعضكم لفكر مستقل عن رأي الأغلبية ، رأي يتقنعون به ويؤمنون بمبادئه ويتمسكون به (أو هذا ما أتمناه) ! وهذه أروع الفوائد التي جنيتها معكم من إيميلاتي .
***
وجدت ميشيل في فيصل كل ما كانت تبحث عنه في الرجل ، فقد كان يختلف عن بقية الشباب الذين تعرفت عليهم منذ استقرارها في السعودية ، وأكبر دليل على ذلك استمرار العلاقة بينهما لما يقارب العام مع أن أطول علاقاتها السابقة لم تدم أكثر من ثلاثة أشهر . كان فيصل شاباً متحضراً ، يعرف تماماً كيف يتعامل مع المرأة ولا يستغل الفرص كما يفعل الباقون ، كان لديه العديد من الصديقات كما كان لدى ميشيل العديد من الأصدقاء لكنهما أصبحا (كوبل) بعد فترة قصيرة من تعارفهما وحرصا على إعلان ذلك أمام جميع أصدقائهما .
رقته الآسرة وسلوكه الرفيع جعلاها تعيد النظر في حساباتها وتغير الانطباع السيء الذي كونته عن الشباب في بلدها بعد عدد من التجارب القصيرة . لم يخطر ببالها قبل تعرفها على فيصل أن بإمكان الشاب السعودي أن يكون رومانسياً كغيره من شباب العالم المتحضر . كان فيصل يتبعها بسيارته كل صباح وهي في طريقها إلى الجامعة مع سائقها الخاص . كانت رؤيته في الساعة السابقة صباحاً يجول شوارع الرياض معها وهو يغالب النعاس – خاصة في الأيام التي لا تبدأ محاضراته فيها قبل الظهر – تدغدغ قلبها بحنان لا يسعها إلا الاعتراف به والتلذذ بطعمه .
لم تستطع يوماً أن تشرح لأحد أصدقائها أو حتى صديقاتها المقربات ما تشعر به من ضياع ، فرغم أن صديقاتها كن يدركن مدى كراهيتها للمجتمع السعودي وتقاليده الصارمة واستهزائها بما يفرضه على الفتاة من قيود ، إلا أن ما بداخلها من صراع حضاري كان بحاجة لعقل واعٍ وفكرٍ مستنير وشخص متفتح الذهن حتى يستوعب ما يدور في ذهنها من تداخلات .
وجدت ميشيل لذتها بعد ذلك مع فيصل ، الذي أدرك تماماً ما تعانيه ، فصارت تبث همومها في كل حين . بعد أن عثرت أخيراً على الفتى الذي يفهمها بعد سنوات من التخطيط ، كيف لها أن تصوم من جديد عن لذة البوح ؟ فتحت ميشيل صندوقها الأسود القابع في أعماقها وقامت بعرض محتوياته بحرص على فيصل ، الذي ساعدها في نفض الغبار عن كل قطعة منها ، ثم أعاد طيها قبل أن يودعها الصندوق من جديد ، بعد أن تأكد كلاهما أن مفتاح الصندوق الوحيد أصبح في جيبه هو . في منزل أم نوير اجتمعت به .
تؤمن أم نوير بالحب ولم تحاول يوماً تصويره للشابات الأربع على أنه نجاسة يجب الترفع عنها ، إلا أنها كانت تعلم أن الحب الصادق لا يجد له متنفساً في هذا البلد ، وأن أية علاقة مهما كانت عفيفة لا بد وأن تقابل بالرفض والكبت الذي قد يدفع أبطالها للوقوع في الكثير من الأخطاء ، لذا فعندما أخبرتها ميشيل عن عزمها على دعوة فيصل إلى منزلها (في غياب أبويها) بعد أن ملت لقاءه في المقاهي والمطاعم التي يندسان خلف ستائرها كل مرة كهاربين من العدالة ، وطلبت منها الإذن بأن تخبر أبويها أنها ستمضي السهرة في منزلها ، عندها فتحت أم نوير باب منزلها في وجه الحبيبين الحائرين حماية لحبهما من نفسيهما ، وحماية لعلاقتهما البريئة من التحول إلى ما هو أكبر من ذلك قبل أن يتم الارتباط الرسمي بينهما ليحفظ لكل منهما حقوقه ، في زمن لا يعترف إلا بالأوراق الرسمية .
أمسك فيصل بكلب ميشيل المدلل باودر يداعبه ، وهو كلب أبيض صغير من فصيلة البودل ، وراح يستمع إلى ميشيل وهي تسرد له إحدى قصصها ، كعادتها باللغة الإنجليزية التي تمنحها حرية أكبر في البوح والانطلاق . - عندما كان عمري خمس سنوات ، وكنا آنذاك لا نزال في أمريكا ، اكتشف الأطباء إصابة ماما بسرطان عنق الرحم .
خضعت ماما للعلاج الكيميائي ثم أجريت لها عملية اسئصال للرحم ، وهكذا فقدت قدرتها على الحمل والإنجاب . بمجرد عودتنا إلى الرياض بعد انتهاء العلاج الإشعاعي ، وقبل أن تستعيد أمي شعرها المتساقط ، بدلاً من مواساتنا اقترحت عمتي أمام أمي وأمامي تزويج أبي من أخرى تستطيع أن تنجب ابناً يحمل اسمه ، وكأنني أحمل اسم رجل غريب ! مع علينا ، لو أنني سأقف عند كل خطأ يُرتكب في هذا المجتمع المتناقض لما انتهيت من الحديث أبداً ! دادي أصر على رأيه ورفض أن يتزوج من امرأة أخرى ، فهو يحب مامي كثيراً ومتعلق بها .
أحبها منذ أن رآها لأول مرة في أميركا في ليلة رأس السنة التي كان يقضيها عند أحد الأصدقاء . تعرف عليها في تلك الليلة وتزوجها بعدها بشهرين . عائلة أبي لم ترض يوماً عن هذه الزيجة وظلت جدتي تتأفف عند زيارة أمي لها حتى اليوم . عاد أبي معنا إلى أميركا بعد أقل من شهر من رحيلنا عنها ، أبي الذي كان يحلم بالعودة إلى وطنه حتى أشب على أرضه كفتاة سعودية ، عجز عن تعليم أقاربه احترام خصوصياته ، فآثر الهجرة من جديد ... تدخل عليهما أم نوير لتفقد الأوضاع . كم هي طيبة أم نوير ، فهي على الرغم من تحررها إلا أنها تخاف على البنات الأربع كبناتها وتعمد إلى مراقبتهن بطرقها اللطيفة المكشوفة .
تجلس معهما لدقائق ، تسأل فيصل عن صحة الوالدة التي لم ترها والإخوة الذين لا تعرف أياً منهم ، تلتفت إلى ميشيل وتسألها عن الشريط الكئيب الذي يستمعان إليه. - بنك فلوويد ، آنتي . - (مبديةً امتعاضها) ويه! قميضه وا علينا عليه ! اش حقه جذي ؟ الحين هذا بدال ما تحطين له : آه يا لاسمر يا زين ، الشوق أمرني أطيعك وانسى خلاني ! تحطين له هاللي يتحلطم !؟ . تغمز أم نوير باتجاه فيصل الذي يضحك بحبور حتى تبدو غمازتاه الجذابتان .
تصرخ ميشيل : - آنتي ؟ بليز لا تكبرين راسه علي ! ما صدقنا نلقى واحد حلو وما هو شايف نفسه! ويضحكون جميعاً . تعود لتكمل قصتها بعد انصراف أم نوير وهما يتناولان ما وضعته أمامهما من مكسرات وبنك ونقل تأتي بهم من الكويت . - عدنا بعد ذلك بثلاث سنوات إلى الرياض ومعنا مشعل . هل تصدق أنني أنا التي اخترت ميشو من بين مئات الأطفال حتى يكون أخاً لي ؟ لقد شعرت حينها بأنني أصنع القدر ! أعجبني شعره الأسود القريب من لون شعري ووجهه البريء .
أحسسته قريباً مني . كان في شهره السابع عندما تبنيناه ، كان سو كيوت ! حالماً رأيته أخبرت أمي وأبي أن هذا الطفل هو أخي الذي يبحثان عنه . عندما عدنا إلى الرياض ، اجتمع أبي بأبويه وإخوته وأخواته ، وقال لهم بوضوح أن مشعل الصغير سوف يكون ابنه الذي لم يشأ الله أن يهبه إياه عن طريق دايان – والدتي – وأن عليهم جميعاً احترام قراره ، وأن يعدوه بألا يكشفوا هذا السر أمام مشعل في يوم من الأيام . كان أفراد العائلة المقربون الوحيدين الذين علموا بمرض أمي لأن أحداً لم يرها هنا طوال فترة مرضها وعلاجها ، ولم يسمح أبي بانتشار الخبر .
خيّر أبي أهله ما بين رضوخهم لقراراته مقابل بقائه معهم ، وما بين عودته للعيش في أميركا إن لم يوافقوا . بعد أسبوع من المداولات العائلية ، وافقت الأسرة على انضمام مشعل الصغير إليها .
أبي كان متأكداً من موافقتهم ، لا لحبهم له وإنما لأن البزنس العائلي كان بحاجة ماسة لخبرات والدي وطاقاته . عدنا لأمريكا لتصفية شؤوننا هناك ، وبعد سنة كنا نحن الأربعة في الرياض ، نبدأ مرحلة جديدة من حياتنا ... عوّدها فيصل على صمته أثناء حديثها خاصة إذا كان حديثاً ذا شجون كهذا ، لكنها خافت صمته هذه المرة ، فراحت تبحث في عينيه عن ردة فعل أو انفعال ما يشي بما يفكر به بعد سماع كلامها ، ولما لم تجد ما يطمئنها أضافت بحزن : - نحن لا نخاف من أحد ولم نخف حقيقة مشعل عن الناس لأننا نخجل من ذلك .
صدقني كان أبي علي استعداد لنشر الحقيقة على صفحات الجرائد والمجلات لولا تأكده من أن مجتمعه هنا لن يتقبل ابنه بنفس الحفاوة التي تقبلها به مجتمع زوجته في أمريكا . أليس من المحزن أن أضطر لإخفاء حقيقة مثل هذه عن ميشو وعن صديقاتي ؟ ليتني كنت أستطيع إخبارهن ، لكنهن لن يفهمن ! سوف يسمونه بأسماء مؤلمة من وراء ظهري وسيعاملونه وفقاً لتلك المسميات الجارحة ، وهذا ما لن أقبل به ! إنها حياة أبي وأمي وقد اختارا أن يعيشاها بهذه الطريقة فلم يتدخل الجميع في شؤونهما ؟ لم أجبر على التمثيل أمام الآخرين حتى لا يضطهدونني ؟ لم لا يحترم المجتمع اختلاف أسرتي عن بقية الأسر السعودية ؟ الجميع يعتبرونني فتاة سيئة لمجرد أن والدتي أمريكية ! كيف أستطيع العيش في مجتمع جائر كهذا ؟؟ قل لي كيف يا فيصل ؟!! .
تندفع في البكاء الذي أصبح يلذ لها وهي بصحبته . وحده الذي يعرف كم دمعة بالضبط يجب أن يدعها تذرف قبل أن يداعبها بلطف لتتوقف عن البكاء . وحده يعرف أنها ستقهقه رغماً عنها لو اشترى لها من أقرب دكان للبقالة (قوطي شاني) أو (حلاو بقر) !. فيصل هذه المرة كان يفكر بنفسه . راح يواسيها برقة وهو يتخيل الحوار الذي سيدور بينه وبين والدته حالما يعود إلى المنزل .
لقد حاول تأجيل هذا الحوار مراراً لكنه هذه المرة عازم على أن يفتح(أو يقفل!) الموضوع مع والدته . الله يستر !
| |
| | | شدى النعماني عضو فعال
عدد الرسائل : 78
| موضوع: رد: روية بنات الرياض الخميس يونيو 05, 2008 9:49 am | |
| الجزء الخامس عشر / ألبي ! ألبي !
ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون . ومنهم من ينظر إليكم أفأنت تهدي العمي ولو كانوالا يبصرون. إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون . (سورة يونس 42-44 )
***
أعرف أنكم تتوقون لمعرفة ما حدث بين فيصل ووالدته ، ولذلك نعود اليوم إلى فصل فيصل وميشيل من القصة ، ميشيل التي احتار الناس في كوني إياها أو سديم ! فأنا ميشيل إذا ما استخدمت مصطلحات إنجليزية ، ثم أصبح سديم في الأسبوع التالي إذا ما كتبت قصيدة لنزار قباني ... يا حياة الشقا !
***
فينك يا يوسف يا وهبي تيجي تشوف اللي بيحصل . حركة أو (لازمة) ألبي ألبي! التي ابتدعتها لتضحكنا أصبحت من الخدع الأكثر انتشاراً في أوساطنا المحلية مؤخراً ، وخصوصاً بين الأمهات ، عندما يحين الوقت للتعامل مع طلبات الأبناء المدللين .
حالما سمعت أم فيصل اسم ميشيل ركبها ستميت عفريت ! تدارك فيصل خطأه بسرعة : ينادونها ميشيل لكن اسمها الحقيقي مشاعل ! مشاعل العبد الرحمن ! نظرة سوداء من عيني أمه أصابته بالرعب وعقدت لسانه ! خشي الشاب أن تكون هناك عداوة قديمة ما بين العائلتين ، لكن اتضح له أن الأم لم تكن قد سمعت باسم عائلة ميشيل من قبل . من هو العبد الرحمن ؟ وأي عبد للرحمن ؟ ما أكثر عباد الرحمن !! كان اسم عائلتها عادياً جداً ، لا يرقى إلى مصاف العوائل التي تناسب أو تخالد عائلة البطران ! حاول أن يوضح لها أن أبا ميشيل لم يستقر في البلد سوى من سنوات قليلة ولذلك فإن اسمه غير معروف للكثيرين من أهل الرياض ، لكنها لم تفهم .
من هم إخوته ؟ يقول أن والد ميشيل هو أنجح مَن بالعبد الرحمن! وقد اعتاد بعد عودته من أميركا التي عاش فيها طويلاً ألا يختلط إلا بمن يوافقونه تمدناً وأفكاراً ، ولكن ذلك كأنما زادها امتعاضاً . عائلة تلك الفتاة ليست من مواخيذهم .
لا بد من سؤال الأب ، فهو أعرف منها بمسائل الأنساب ، لكن الموضوع منذ بدايته لا يبشر بخير. لقد ضحكت عليه البنت! آه من بنات هذه الأيام !! ويا لابنها الصغير الغر الذي لم تكن تتوقع منه أن يقع في شباك فتاة كهذه ! سألته عن أخوال البنت ، وأراد أن يكحلها فعماها ! عندما سمعت الأم أن أم الفتاة أمريكية قررت أن تقفل باب هذا النقاش العقيم حول هذه المهزلة إلى غير رجعة بأن تلجأ لتكنيك يوسف بيه وهبي بعد السعوَدة : - قم با وليدي . قم بسرعة جب لي دوا الضغط والقلب ، شكل السكر انخفض معي! حاول الابن أن يقنعها ، أن يكسب رضاها عن ميشيل . عدد لها محاسن الفتاة .
حدثها عن أشياء لا تهمها ، فتاة مهذبة متعلمة وطالبة جامعية مثقفة ، تعبه بخليطها الشرقي الغربي . البنت تفهمه ، البنت متحضرة وليست قروية كبقية البنات اللواتي سبق له التعرف إليهن أو اللاتي تلمح والدته إلى مشاريعها في تزويجه إحداهن . لم يستطع أن يقول لها صراحة أن البنت تحبه وأنه هو يحبها أكثر . تناولت الأم أدويتها التي إن لم تكن تنفع فهي لا تضر ، وهي تمسح دموعاً كثيرة ، وتتحدث وهي تمسح على شعره بحنان عن آمالها الكبيرة في تزويج ابنها الأصغر من أحسن البنات ، وإهدائه أحسن منزل وأحسن سيارة وتذاكر لقضاء أحسن شهر عسل .
بكى فيصل اليائس ، فيصل البائس تحت قدمي أمه الغالية ، أمه التي لا يحب أحداً في الكون أكثر منها ولم يعارضها يوماً . بكى البنت المتحضرة ، حبيبته التي تفهمه ويفهمها أكثر من أي اثنين في هذا العالم ، ميشيل ذات الجمال النجدي والشخصية الأمريكية ، التي لن تكون من نصيبه . | |
| | | سندرا عضو مهم
عدد الرسائل : 251 العمر : 39
| موضوع: رد: روية بنات الرياض الخميس يونيو 05, 2008 12:24 pm | |
| | |
| | | غالب النعماني عضو من كبار الكتاب
عدد الرسائل : 569 العمر : 49
| موضوع: رد: روية بنات الرياض الخميس يونيو 05, 2008 5:38 pm | |
| | |
| | | @أعقل مخبولة@ عضو من كبار الكتاب
عدد الرسائل : 532
| موضوع: رد: روية بنات الرياض الخميس يونيو 05, 2008 8:10 pm | |
| مشكووووورة أختي شدى النعماني | |
| | | | روية بنات الرياض | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
مواضيع مماثلة | |
| |
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|