البحث عن الذات في هذه الضوضاء فنجد جثثا في مستنقع وسط غابة بلا أزهارنحاول البحث عن الهوية فنجد قصاصات تراقصها ريح عاتية
وعن هدف فنجد متاهات بلا اتجاه وعالم بلا ملامح .. !
نحاول البحث عن الوطن والمواطنة فلا نجد إلا شجرة تساقطت أوراقها صفراء هشة
وجذعا متشققا تربطه بعض جذور نحيلة في تربة متفككة ..
وطن ومواطن .. فإن بحثنا عنهما لا نجد إلا مواطن دون وطن أو وطن دون مواطن
والاثنان لا يجمعها إلا العفن ..
نحاول البحث عن الإنسان فلا نجد إلا جسدا ممزقا وعقلا معطلا وبقايا من آثار إنسانية
نحاول البحث عن الطفولة فلا نجد سوى أزهار في حوض سمك وقفص عصفور
بناء بلا أساس ... هو الانهيار ..!
وبعد فعن أي شيء نبحث .. ?!
أعن ضمائرنا التي نامت في سباتها الأبدي
أم عن عقولنا التي تستقبل الأفكار دون أن تهضمها
أم عن أرواحنا التي ماتت في أجساد متعبة وتعبث في مدن الأشباح معزوفة الموت
وسيمفونية الرحيل ..
حياة اقرب ما تكون الى رحيل الحقائق عن الصور وملامح الإنسانية عن البشر ..!
نحاول البحث عن الماضي فنجد الغبار وقد كفن في كتب صفراء بلا ملامح
نهرب من حاضرنا المحطم فنخاف المستقبل ... إنها الهزيمة ..!
ومن ثم فإلى أين نمضي ?!
الإنسان الذي جمع قدسية السماء وطهارة الأرض .. هنا
توازن الحياة .. إنها السعادة .
الإنسان الذي جمع متطلبات الجسد وحاجات الروح .. هنا
توازن النفس .. إنها الحكمة .
ولكن من نحن الآن ?!...
نموت بالجملة فلا تتسع القبور ... وتختنق رغباتنا
نأخذها إلى عالم البرزخ فتنمو على قبورنا وردة ... مدينة الحياة بلا أجساد
أرواحنا سجينة في فسحة الكون وأجسادنا تنهشها دنانير المسؤول ..!
كلنا مسؤولون وليس لنا مسؤول ... كلنا إنسان وليس في داخلنا إنسان
كلنا حائرون ... تائهون نعبث بالقشور ونصدر اللب
كلنا ينتظر الحل المستورد .. لتضيع كرامة الشرفاء وسط الريح ..
تزهق الآمال وتهدم الطموحات لتقتلع أي بصيص آمل
فنصمت قليلا ثم نتراكض إلى ساحات الخنوع نرتقب الفرج
ونذر البركان الهائج في الداخل ولا بد أن ينفجر ..
نوسع طرقاتنا فتصغر مساحة التفكير فينا
طرقات أعرض و وجهات نظر أضيق
لدينا مؤهلات أكثر وحكمة أقل
ملكنا الكثير لكننا افتقدنا أنفسنا
شطرنا الذرة ولم نشطر الأحكام المسبقة
نتوسع بمنازلنا فتضيق قلوبنا
نشتري الكثير ونأجر العقول
تزهق الأرواح وتهدم البيوت وتقلع الأشجار
نعيش على أرض وقرارنا ملك لعقول أخرى ..
نتذرع بسلاح القوة المفقود ومنذ سنوات وسنوات ننتظر
وسلاحنا عطب في مستودعاتنا الرطبة من الدرجة الخمسين ..
نستهلك ما قد نسيه الآخرون ونرضى بأن نكون حاوية الشعوب
أساسياتنا مستوردة وأفكارنا مستوردة وبعض من أجسادنا مستوردة ..!
نقر ونعترف بما يقر لنا ونفكر كما يريدون
نحول أنظارنا عن السماء إلى الأرض فلا نفلح
نحمل على أجسادنا المقعدة أمتعة ليست لنا
ونزج في عقولنا بتعليمات ليست من صنعنا
فتحار الروح بين العيش الرغيد بلا مبدأ وبين الالتصاق بالحقائق المدفونة تحت أبنيتنا
المنتظمة ..
هي حرب الخارج الباردة وحرب الداخل الساخنة ..
وهو جسد الأمة المشوه ..
الكل في هذه الحلبة معذور .. يغمسون الدم برغيفنا ويتناوبون كأس الشهد ..
يخلعون عنهم زيهم المستورد ليتعروا تحت ضوء الشمس وتغطيهم أوراق الشجر
وذرات التراب .
وأما نحن فمن نكون ?!...
أرواح محطمة في غيبوبة ولا ندري هل ستطول غربة الروح عن الجسد .. ؟!
في غربة عن الوطن داخل الوطن ..!
نستغيث فتتلاشى نداءاتنا في جسد الإحباط
نحن أحرف متناثرة يخطها الآخرين عبارة الصبر لهزيمة بلا نقاط
وإن التصقنا ووضعنا النقاط على الحروف بمنطق وعقلانية فنحن .. النصر
وكـيفما أردنا لأنفسنا أن نكون فسوف نكون .. وسنحصد ما سنزرعه
فالزيتون بالزيتون .. وللحصاد مواسم .. وكلنا ينتظر في ظل واقع بلا معتصم .