المسلمون من خلال سيرة نبيهم صلوات الله وسلامه عليه, يؤمنون إيمانا راسخا, أنه الرسول الخاتم, الذي بعث لعامة الناس وخاصتهم, أبيضهم وأحمرهم وأسودهم, عربيهم وأعجميهم . انسهم وجنهم.
كان آثار هذا الإيمان الراسخ في قلوب المؤمنين الصادقين , أنه دافعهم القوي لطاعة الله, بالتسليم المطلق لكل ما أخبر به عنه سبحانه, وبالنهج لهديه والتأسي بشرعه وسنته .
هذا الإيمان المتمكن من القلوب هو الدافع أيضا إلى إقامة نظام الخالق في الأرض , والحكم بما أنزل سبحانه , والى إشاعة قيم الحق والعدالة بين كافة الناس , تحقيقا لعمارة الأرض باسمه , وحسن الاستخلاف له, وتعبيد الناس فيها لرب العالمين.
هذا الإيمان المرسخ في النفوس , تحققت آثاره , وتمثلت مرتباته في واقع حياة الجيل الأول , في الصدر الأول للإسلام . ذلك الجيل الذي تمثل المعنى الحق للإيمان عقيدة وعملا . فكانت لهم العزة في الأرض , وكانوا مصابيح من نور أضاءت أرجاء المعمور الغارق في بحر الظلمات .
هذا الإيمان الذي تلبست به القلوب الطاهرة, كان من أثره عليها أن فاضت إجلالا ومحبة لهذا الرسول المبعوث رحمة للعالمين, وتفانت في حياطته وإكباره بما لا تعرف الدنيا لعظيم غيره . محبة تقود إلى الهيام ولو دقت في سبيله الأعناق , لأنه صلوات الله عليه يجسد الكمال الذي لم يرزق بمثله بشر منذ خلق آدم أبو البشر. أدبه ربه فأحسن تأديبه, و خلقه بخلق القرآن, وخصه بما لم تخص به الأنبياء دونه. ففي حديث لأبي سعيد الخدري أن رسول الله قال : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر... وبيدي لواء الحمد ولا فخر ... وما من بني آدم فمن سواه إلا تحت لوائي... وأنا أول من تنشق عنه الأرض وأنا أول شافع وأول مشفع ) ,
فمن حسن تأديب الله لنبينا صلى الله عليه وسلم أن اجتمعت في سيرته أبر صفات أولي العزم من الأنبياء قبله . فيه صبر نوح وطول نفسه في تحمل أذى قريش مقترنا بالدعاء لهم : اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون . فيه شبه بإبراهيم في وضوح الرؤية ورفض المساومة وأنصاف الحلول, إذ يهادن صلى الله عليه وسلم قريشا في شركهم ولم يقبل منهم - وهو في حالة ضيق وضعف – عرضهم وإغراءهم . فيه شبه بموسى في شدته وحرصه على الانتصار لدين الله , وقد نصره الله برعب الأعداء مسيرة شهر . فيه لطف عيسى ورقته مع المؤمنين وغير المؤمنين ليتألف قلوبهم , فكان صلى الله عليه وسلم قدوة لهم وأسوة .
ومن خصوصيات نبوة سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه , ما يتصل منها بالدين خصائص ميزت رسالته وأظهرتها على سائر رسالات الأنبياء قبله . فلأنها رسالة عالمية بخلاف الرسالات السابقة التي بعثت لقومها خاصة . ولأنها رسالة خالدة خاتمة , قال صلى الله عليه وسلم : مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله , إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه, فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة , فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيئين . ولأنها رسالة شمول , تستوعب الإنسان ومراحل حياته , عقيدة وعبادات ومعاملات .
ان اساءة البشر لا تنال من النبي وشرف قدره قيد أنملة , بل العكس وكما يقال فرب نقمة تحمل في طيتها نعمة , فاساءة جاهلية العصر فتحت أعين الكثيرين في العالم على مسمى النبي محمد ورسالته , فهذه هي التعمة التي طوتها نقمة الاساءة . ولقد أتت بعكس ما أمل المسيؤون فاعلن بعضهم الاسلام وشهدوا له بالنبوة ,
ان الانتصار للنبي أمر حتمي لكن ينبغي أن لا يقف عند مقاطعة بضاعة الدانمارك ومنتجاتها من الألبان التي تسيل لعاب البعض منا وكأن منتجاتنا المحلية لا طعم لها ولا جودة . الانتصار الحقيقي انتصار لسنته واحياءها على أرض الواقع عبادات ومعاملات , قيم وسلوكات . أما عن المقاطعة فهي أضعف سلاح يمكننا من تحرير اقتصادنا من التبعية والاحتكار الأجنبي , والذي يخدم مصالح القلة القليلة من رؤوس الأموال المتورطين في الفساد الاجتماعي في أمة الاسلام .
فالخيار اذن المقاطعة ولا يقبل من أعداء الله اعتذار .