استئصال انتقلنا بعدها للقاء الأطفال والصبية والفتيان الفلسطينيين الغزاويين الذين علاهم سمت الصمود والقوة؛ كان أصغرهم سنًّا "بلال" الذي لم يتجاوز السابعة من عمره. | بلال ذو السبع سنوات يسأل نفسه هل أجد بيتي عندما أعود أم دمره الاحتلال | </TR>
بلال لم تكن إصابته من جرَّاء القصف الأخير، وإنما هي نتيجة حصار غاشم على القطاع منذ ما يقرب من عامين؛ فبلال يعاني منذ عامين من تضخم بإحدى كليتيه؛ وهو الأمر الذي دفع الأطباء الفلسطينيين إلى نصيحة والده بمعالجته بالخارج؛ لعدم توفر إمكانيات علاجه بالأراضي الفلسطينية، وهو ما كان صعبَ المنال على والد بلال بسبب تعنت قوات الاحتلال في السماح بسفر بلال. ومع القصف الأخير وتمكُّن الجرحى الفلسطينيين من دخول الأراضي المصرية لتلقِّي العلاج؛ دخل بلال بصحبة والده، وفي معهد ناصر أخبر الأطباء والده بأن الوقت قد تأخَّر لعلاج الكلية المُصابة، وقرر الأطباء استئصالها. كانت عينا بلال تدمعان ما بين الحين والآخر؛ فتارةً يتذكَّر والدته وإخوته ويتمنَّى العودة إليهم أو الاطمئنان عليهم، وتارةً يتمنَّى اللعب مع أصدقائه والعودة إلى زملاء مدرسته، كما أنه يخشى من عدم تمكُّنه هو ووالده من العودة إلى أهلهم في غزة بسبب تباعد فترات فتح المعبر أو بسبب القصف المستمر. عسكر وحرامي وأثناء تجولنا في أحد أروقة معهد ناصر سمعنا بكاء طفلة صغيرة.. تعرَّفنا على "زينة" الطفلة الفلسطينية البالغة من العمر 9 سنوات، والتي تقطن بمدينة رفح. اشتاقت زينة للعب مع ذويها، وروت لنا عن أكثر لعبة تفضلها "الدريس"، والتي كانت تلعبها مع زميلاتها وجيرانها، وهي نفس اللعبة التي كانت تلعبها مع باقي أطفال مدينة رفح وقت حدوث العدوان والقصف الغاشم؛ أصيب فيه عددٌ من الأطفال بإصابات مختلفة، سرعان ما توقفت زينة عن البكاء وهي تحكي عن زملائها ومدرستها في ظل الحصار وعن لعبة "عسكر وحرامي" التي يفضِّلها الكبير والصغير بالأراضي الفلسطينية، والتي دائمًا ما يمثِّل فيها اليهود دور "الحرامي" والمقاومة دور"العسكر". ثم أجهشت زينة مرة أخرى في البكاء وأعربت عن تخوفها الشديد من عدم التمكن من العودة إلى بلادها. | نظرة أمل من علاء طالب بالصف الأول الإعدادي | </TR>
طلاب المدارس أيضًا لم يسلموا من القصف الغاشم؛ حيث أُصيب علاء ( طالب بالصف الأول الإعدادي) بجروح غائرة في قدميه نتيجة إطلاق صاروخ على إحدى الطرق التي اعتاد علاء ارتيادها أثناء توجُّهه إلى مدرسته كل صباح علاء أعرب لنا أثناء زيارتنا له عن رغبته في الالتحاق بكلية الصيدلة عندما يكبر؛ ليتعلَّم كيفية تصنيع الدواء؛ حتى يكون عونًا للكثير من مرضى غزة الذين إما لا يملكون ثمن الدواء أو يعانون من عدم توفر الأدوية بسبب الحصار أو بسبب إغلاق المعابر، ولكن إصابة قدمي علاء لم تَثْنِه عن أحلامه وعن رغبته في أن يكون أحد أفراد المقاومة. طبيب بقدم واحدة تلفَّح الحاج زكي بالشال الفلسطيني أثناء تجوله في طرقات مستشفى معهد ناصر، كان من الواضح أنه كان يطمئن على أهله في غزة من خلال هاتفه الجوال، علا صوته أثناء الحديث، وتتبعناه إلى حجرته وسألناه إذا ما إذا كان يؤرقه شيء ما، فأجاب بأنه منذ ساعتين فقط كان يتحدَّث إلى جيرانه من غزة وفَقَد الاتصال بهم، فحاول الاتصال بغيرهم للاطمئنان عليهم، ولكن أبلغه أحد أصدقائه الغزاويين بانهيار المنزل فوق رءوس جيرانه منذ دقائق من جرَّاء قصف صاروخي لمنزلهم.
| محمد زكي طالب بالثانوية العامة بترت قدمه في القصف الوحشي | </TR>
سألنا الحاج زكي عن سبب وجوده بمستشفى معهد ناصر؛ حيث إن حالته الصحية تبدو مستقرة، وأخبرنا أنه بخير حال، ولكنه مرافقٌ لولده محمد الذي يتلقَّى العلاج بالمعهد إثر إصابة قدميه بشظايا متطايرة من صاروخ تم قصفه على أحد المنازل المجاورة لمنزلهم؛ مما أدى إلى بتر إحدى ساقيه، وينتظر إجراء عمليات جراحية لقدمه الأخرى حتى يستطيع تحريكها. محمد طالب في الثانوية العامة، طالما حلم بأن يصبح طبيبًا، ورغم الحصار والدمار استطاع محمد أن يجتهد في دراسته؛ مما جعل والده يصفه بولده البار المتفوِّق. للحظات انتابه شعورٌ بالخوف من عدم تمكنه من الحركة، وعلَّق: "هل يوجد طبيب مبتورة قدماه؟!"، ولكنه سرعان ما رضي بقضاء الله وقدره، وأكد أنه سيظل صامدًا وسيبقى مجتهدًا في دراسته حتى يحقِّق ما يبتغيه. نضال مُعلِّم اسمه "نضال" وحاله نضال؛ فهو طالب بالسنة النهائية بكلية التربية جامعة الأقصى، اختار كلية التربية دون غيرها حتى يُعلِّم الأجيال القادمة معانيَ وقيم المقاومة والحرية، وأن التميز العلمي هو سبيل مهم للغاية لكي تتفوَّق على عدوك. وأثناء توجُّهه إلى جامعته لتلقِّي المحاضرات الختامية للفصل الدراسي الأول تم إطلاق صاروخ على الدراجة البخارية التي كانت تقله إلى جامعته فأطاحت بقدمه بأكملها. عند هذه الكلمات توقف الحاج عبد العزيز والد نضال عن حديثه وقال: "مهما عملوا اليهود راح يبقى نضال مُعلم لأطفال غزة"، أما نضال فحاولنا التحدث إليه، ولكنه كان مصابًا بارتفاع شديد في درجة حرارته ولم يستطع التحدث تمامًا. عَشْر أذرع حالة من الحماس والحمية تنتابك عند دخولك حجرة إياد البالغ من العمر 32 عامًا؛ فعند دخولك حجرته تجد حوله الأعلام الفلسطينية والمصحف الشريف، عنقه محاطٌ بالشال الفلسطيني، وعلى الرغم من إصابة ذراعه وتهشم عظامه بالكامل وإصابته بشظايا شجَّت رأسه وحرقت ذراعه الأخرى، إلا أنه رفع علامة النصر والشهادة بإصبعيه. علت البسمة وجهه عندما تحدث إلينا عن مدى رعب اليهود من صواريخ المقاومة البسيطة الصنع والمدوية في تأثيرها، ورغم الحصار والدمار والقصف والقتل والتشريد أكد لنا إياد أننا سنسمع قريبًا أخبار انتصار المقاومة رغم أنف اليهود، وسنسمع أخبار انسحاب الصهاينة من قطاع غزة يجرون أذيال الهزيمة وراءهم، حينها سيشعر أن الله تعالى أبدله عشر أذرع بدلاً من التي أصيب بها ليقاوم ويقاتل بها في سبيل الله. |