عظم الله أجركم يا أهل غزة! عظم الله أجركم يا أهل فلسطين!
عظم الله أجركم أيها الشعب العربي البطل الذي رفع صوته عاليا مطالبا بوقف العدوان، مطالبا بما يمكن أن ينهي المأساة المسلطة على شعب فلسطين منذ عام 1948 ولأكثر من ستين عاما والدم الفلسطيني يسيل وفي كل معركة يسيل أكثر ويقوى العدو أكثر ويتسلح بأحدث ترسانة واستخدم الآن على قطاع غزة لوحده ضعف ما استخدمه العدو في حربه على لبنان، وعشرة أضعاف ما استخدمه العدو في احتلاله لبيروت وإخراج منظمة التحرير منها. واستخدم مائة ضعف من القوة والسلاح والذخائر التي استخدمها العدو في حرب عام 1967 واحتلال كامل فلسطين والجولان وجنوب لبنان.
من وسط ضباب الدخان وحرائق البيوت ورائحة الجثث التي تفحمت في وسط الركام، ومن وسط هذا العدوان هل يمكن للإنسان أن يرى بصفاء وهو يدفن هذا العدد الهائل من الشهداء؟ وهو يضمد جراح الجرحى ويلملم من بقي من الأطفال والأمهات والآباء! كل يبحث عن ما بقي من فلذات كبده، ولما يئس أن يجدهم أحياء في الشارع أو الملجأ، فإنه يركض سريعا لينبش الركام حجرا حجرا يبحث عن أعزائه المفقودين بأعداد تسبب الذهول، فالمذبحة والملحمة أكبر من أي تصوّر.
ما هو العمل الآن يا من يلفكم ضباب حرب غزة؟ هل تتراكضون إلى لجنة مانحة تجمع لكم ما يكفي لإعادة الإعمار، وتعمرون ما تهدم لتتفاجأوا أن نصف سكان المهدوم من المنازل ما عادوا أحياءا، فهم قد رحلوا بعيدا وسكنوا في البرزخ مظلومين فرحين بلقاء رب الناس، فرحين بهروبهم من دنيا كل من عليها ظالم، غالبية المتحكمين في مصائر الأمم ظلام مجرمون لديهم ألف مكيال ومكيال، يصفقون للقاتل، ويرجونه أن يقتل بهدوء أكثر وبوتيرة أبطأ ، أن يقتل ويعيد القتل بالفتاك من السلاح، يقتل بلا ألم، يحرق فلا يبقي لحم أو عظم، يقتل بعزيمة ويحضر الوليمة لضيوفه من زعامات الأمم تجيء إليه تؤدي واجبات الولاء والطاعة، والتهنئة والتبريك على ما وصل إليه من إتقان تخطيط وتنفيذ الحرب، فلم يفقط طائرة ولم يقتل من جنوده إلا العشرة. يهنئه على انتصار ليس فوقه أو بمستواه انتصار، فقد هاجم شعبا أعزل ودمر البيوت فوق رؤوس أصحابها، وعزف سمفونية إجرامية حية على الهواء امام سمع وبصر كل العالم.
ما العمل سؤال يفرض نفسه في كل دقيقة؟ أنكنس الشوارع أولا؟ ولم يبق شوارع! أنزيل الركام لنعيد الإعمار؟ فلم يبق سكان! أنطلب وننتظر رغيف الخبز؟ وما فتح باب السجن في كل المعابر! أنطلب أولا وصول وقود تشغيل محطة توليد الكهرباء؟ فنقول له تريث يا أخي فأنت غير واقعي في طلباتك! ألا تدري أن مخازن الوقود قد هدمت! واسلاك وأعمدة الكهرباء قد انصهرت! فيصيح المدير ولكن ما العمل الآن وقد تكرّم بل وأركد لك أنني شاهدت المانحين من خلف ظهر الذابحين يكدسون الأموال مليارات فهيا نسرع نبني ليرتفع البنيان، ونزينه للسكان، فتأتي دولة البغي والعدوان لتهدمه من جديد وبدون وعيد، فجأة تنقض آلتها العسكرية على الرؤوس التي تحمل الفؤوس في الحقول، وعلى المدارس التي تعلم الأيتام كيف احتل اللئام وطنهم، وتدمر بيوت تسكنها الأمهات تحضر طبيخ ما تيسّر لها من صدقات وكالة الغوث لذلك اليوم يكفي لوجبة واحدة، وتحضره قبل أن يعود الجوعى وما ذاقوا إلا ربع وجبهة كل يومين.
أنت يا أخي غلطان، فلا عمران قبل أن ينتهي العدوان، وينتهي إلى الأبد، ألا يكفي أربعون سنة على الإحتلال، حان الوقت ليرحل الاحتلال عن كامل الأرض التي احتلها العدو منذ عام 1967، لا نداء اليوم فوق نداء انهاء الاحتلال، لن نعيد بناء أجهزة أمنية قبل أن يرحل الاحتلال وإلى الأبد، لا بناء للمدن قبل أن يرحل من هدم المدن، لا تشكيل حكومة وطنية تحت رماح الاحتلال، نريد بناء دولتنا بأيدينا بعد رحيل الاحتلال. لا نريد قوات دولية تجلس على صدورنا تشرع للاحتلال، تعد الأيام دون أن تنسحب قوات الاحتلال ولو بعد مائة عام.
نحن مخطئون وقد أعمتنا الصدمة، نحن لا يمكن أن نسمح بأن نلدغ مرة عاشرة، كفانا كفى ما لدغنا في الماضي، وتنوعت اللدغات من العدو، والشقيق والصديق والرفيق كلهم متآمرون، لا يهمهم إلا ما يحصلون عليه لجيوبهم من عمولات ورشاوي على حساب شعب تشرد ألف مرة، وذبح بكل أنواع السلاح، وما أحد من الرسميين تألم أو بكى أو حتى سمى علينا وقال لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل.
نطالب فقط وبدون نقاش إنهاء الاحتلال على حدود 67 ومن بعد تنفيذ الانسحاب بالكامل نستلم الوطن ونقيسه شبرا شبرا ونعيد بناءه صرحا عاليا مشرفا، يتناسب وحجم التضحيات التي قدمها الشهداء إنهم هناك في عليين يرقبون ما يجري بعدهم ويبتسمون إذا سرنا على درب صحيح، يوألمون إذا أخطأنا من جديد. يا ساسة لا حديث غير أن تنسحب قوات الاحتلال من جميع قطاع غزة ومن الضفة بالكامل حتى حدود ال 67 وحتى ذلك الحين لا نقبل إلا نصف رغيف في اليوم صدقة من أهل إندونيسيا طلبا في الخبز الحلال، والقلوب الرؤوفة، التي تبادلنا مشاعر الحزن بصدق، ولا نريد من المانحين الذين هم سبب كل مأساة أي شيء. هل كلامي واضح؟ هل اهتديتم يا إخوتي وهل اتعظتم؟ لا حلول إلا بعد رحيل الإحتلال بالكامل بقواته ومستوطنيه وزبانيته.
اللهم اشهد فإنني بلغت، واللهم ارحم شهداءنا الأبرار، وبلسم جراح جرحانا، وواسي الثكالى واليتامى واجمع قلوبنا على كلمة سواء، كلمة صادقة مسئولة وأمينة، لا حراك ولا نشاط قبل وفوق المطالبة بانسحاب المحتلين من كامل الوطن المحتل عام 1967 بلا بوصة مربعة واحدة تبقى بيده، ثم بعد ذلك نبدأ المحادثات لحل بقية مطالبنا العادلة، وأقسم بالله أن ما قلته نابع من درس عميق إسمه حرب غزة الباسلة، فشهداؤنا صرخوا بآذاننا صرخة صادقة وأخيرة جميع الحلول تبدأ بعد أن يرحل الاحتلال. لا نتلاوم الآن فالوقت ليس وقت أخذ ورد مطلب واحد واضح، إنهاء الاحتلال فورا عن كل أرض ال 67 والله على ما أقول شهيد. نقطة وأول السطر بدون كلام، حتى يرحل الاحتلال نهائيا وإلى الأبد ثم عندها نبدأ المحادثات والقبلات والمطالبات والمصافحات والمسامحات، أما الآن فلا كلمة ولا إجراء ولا وسطاء. ولا نقبل الآن إلا نصف رغيف خبز في اليوم ونرقب رحيل المحتلين فورا دون تلكؤ أو تأخير، هكذا فليفهم العالم مطلبنا بوضوح لا غبار عليه، لقد صعقتنا الحرب الظالمة وتعلمنا.