لا يحتاج إلى تفسير
لماذا غاب عباس عن قمة غزة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
كثيرة هي المفارقات والعجائب والغرائب والفضائح التي أثارتها تداعيات المجزرة المروعة الكبيرة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة أهلاً وأرضاً.
كثيرة هي الأمور التي تحتاج إلى تفسير، وكثيرة هي الأمور التي لا يغير صورتها التي ظهرت عليها مهما كان التَّفسير والتَّسويغ والتَّبرير، وكثيرة هي الأشياء التي ستنجلي حقائقها بعد حين... ولكن أمراً واحداً ظلَّ حروناً حرون البغل أمام الفهم وأمام قدرة العقل على القبول.
حقيقة لا أدري بما أصف هذا السلوك... على كلِّ ما تسعفني به اللغة والبلاغة في أصعب المواقف وأعقدها من تدفق البيان فإني وقف عاجزاً عن أما تعبير أصف به غياب الزعيم الفلسطيني محمود عباس عن القمَّة العربية الطارئة التي سمِّيت قمَّة غزة. وغزة هي جزء من فلسطين، دولة محمود عباس، والقمة منعقدة من أجل النظر في أمر المجزرة الصهيونية الوحشية في غزة... ومع ذلك وجد محمود عباس من قلة الإحساس والوجدان والضمير والنخوة ما يمنعه من حضور هذه القمة.
عندما لم أجد محمود عباس في القمَّة ما لت بي الظنون إلى أنَّه لم يحضر القمَّة لأنَّ خالد مشعل قائد حركة حماس موجود فيها.
ولكني قلت في نفسي على الفور إن كان هذا هو السبب أو العذر فإنه عذر أقبح من ذنبٍ، ولا يجوز أن يقبل منه مثل هذا العذر حَتَّى ولو كان بينه وبين خالد مشعل دماء إلى الركب، لأنَّ ما يقع من عدوان على غزة أكبر بكثيرٍ جدًّا جدًّا من أيِّ خلافٍ مهما كان أصله وفصله وطبيعته... بل مهما كان محمود عباس خائناً وعميلاً، لأنَّ أعداء فلسطين ذاتهم بكوا من هول المجازر وخرجوا في مظاهرات احتجاج ضدَّ الكيان الصهيوني.
ظللت يأكلني التوتر والغليان بسبب غياب محمود عباس عن القمَّة لحظة تلو أخرى، ويزداد الغليان أكثر فأكثر كلما تذكرت أن القمة معقودة من أجل فلسطين وغزة تحديداً.
استأت كلُّ الاستياء من كلِّ من غاب عن القمة، وكذلك استاء معظم العرب والمسلمين في العالم، على الرَّغْمِ من إيمان الجميع الإيمان الجازم بأنَّ هذه القمة لن تقدم شيئاً يستحق أن يوقف له احتراماً، استأنا لأنَّ عدم حضورهم القمة هو أقصى ما يمكن أن يصل إليه انعدام الإحساس بالمسؤولية، وأقصى ما يمكن أن يصل إليه احتقار الشعوب والازدراء بها وبرغباتها ومشاعرها وآمالها.
ومع ذلك فإنَّ غياب كلِّ من غاب من الرؤساء والأمراء والملوك العرب عن القمة يقع في كفَّة وغياب محموق عباس في الكفة الأخرى، بل يزيد عليها ثقلاً ووقعاً لأنَّ محمود عباس هو رئيس الشعب الفلسطيني وإن انتهت ولايته الدستوريَّة.
المفاجأة المصيبة التي رفعت الضغط وشنجت الأعصاب إلى الحد الذي لا يطاق هي الفضيحة التي كشف عنها وزير الخارجية القطري عندما أعلن ما دار بينه وبين محموق عباس من حوار في الساعات الأولى من صباح هذا اليوم، يوم الجمعة 16/12/2009م، يوم انعقاد القمة. فقد ظل وزير الخارجية القطري يرجوه سحابة منتصف الليل من أجل الحضور، وينكش ضميره بأنه هو الوحيد الذي يجب أن يحضر، وأن القمة من أجل شعبه، وأنَّ قطر لم تدعو أحداً من حماس أو فصائل المقاومة حَتَّى لا يصاب بالحرج... ومع ذلك أصرَّ عباش على عدم الحضور بذرائع مختلفة... أصر على عدم الحضور ليس لأنَّ خالد مشعل سيكون حاضراً، لأن خالد مشعل لم يدع للحضور إلا بعد اليأس اليقين من رفض عباس حضور القمة، وكان ذلك في صباح هذا اليوم...
لقد رفض محمود عباس حضور القمَّة ليكشف عورته تامَّة من غير لبس كما فعل النَّظام المصري والنِّظام السُّعودي على نحو الخصوص، ليلقموا كلَّ من يريد أن يدافع عنهم حجراً بترابه. لم يعد يريد محمود عباس وفريقه أن يقال عنهم إنهم مع العرب، إِنَّهم يريدون بإصرارٍ شديدٍ واضحٍ صريحٍ لا لبس فيه أن يقال عنهم إنَّهم عملاء إسرائيل وأمريكا... ويفخرون بذلك فخراً يدعو للعجب... وإلا كيف وبماذا يمكن أن نفسر ما قام هؤلاء العملاء في هذا العدوان الوحشي والمجزرة البشعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة وما زال مستمراً في مجزرته منذ ثلاثة أسابيع.
صار يشعر محمود عباس وفريقه بأنَّ نعته بالوطني عار لا يستطيع حمله، ولذلك غسل وأصدقاؤه هذا العار وأعلنوا بكل اعتزاز وافتخار أَنَّهُم أبرياء من الوطنية، أبرياء من العروبة، وأنهم ينفذون المشروع الصهيوني الأمريكي في القضاء لا على المقاومة العربية فقط بل على الكرامة العربيَّة.
من المؤكد في نظري اليوم أنَّهُ إن تاب عباس أو أيٌّ من أصدقائه وشركائه فلا يجوز أن يقبل البشر توبتهم مهما بدا من صدقها... ولا أناقش ذلك فله شأنه، ولكني أريد أن أسأل السؤال الذي لا بد من طرحه وتعميه قدر الإمكان هو:
هل هذا هو موقف فتح التي غنينا لها الأغاني والأناشيد؟
هل هذا هو موقف فتح التي كانت لها بطولات صولات وجولات في النضال أججت القلوب والمشاعر؟
هل يقبل الفتحاويون أن تكون سمعتهم هي سمعة حاكمهم محمود عباس؟
أيها الفتحاويون لا أجد ما أقل لكم في مصيبتكم هذه إلا إذا رأيتهم أن محمود عباس معبراً عنكم. فإذا رأيتم أنَّهُ يعبر عنكم فإنكم أنتم هو وهو أنتم... وهو من ذبح أهله الذين أمنوه على حياتهم. فحسبنا الله ونعم الوكيل.
السبت يناير 17, 2009 3:16 am