كتب: السفير د. عبد الله الأشعل --
ما يجري في غزة وعلى امتداد أكثر من أسبوعين لا يمكن تسميته إلا بالمجزرة. والعجيب أن الغرب شبه متحد على تأييد إسرائيل والتغاضي الكامل عن المذبحة إذا استثنينا دولة مثل النرويج.
وكعادة اليهود قبل ارتكاب جريمة من حجم كبير، يقومون بجهود مكثفة لتكميم أفواه المعارضين وتحييد القوى الخارجية عبر قنواتهم الدبلوماسية، حتى إذا وقعت الواقعة يكون انفعال ورد فعل المفاجأة والصدمة الإنسانية ضئيلا. على عكس ما يفعلون إذا كانوا هم الضحايا، كما روجوا وبالغوا في موضوع الهولوكوست.
الاتصالات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة وأوروبا وكافة الدول التي لها علاقة بإسرائيل ركزت على عدة أمور:
أولا: إظهار إسرائيل بأنها الضحية بسب بضعة صواريخ ضئيلة التأثير.
ثانيا: طمس فكرة حق المحتل في مقاومة من يحتله، مع أنه حق كفلته جميع المواثيق الدولية.
ثالثا: إيهام العالم بأن إسرائيل ماضية في تنفيذ مشروع الدولة الفلسطينية مع أن مخططها الحقيقي هو إيقاف هذا المشروع من أساسه.
رابعا: الربط بين ما تتعرض له إسرائيل من بعض حالات المقاومة وبين حركة الإرهاب التي تزعم واشنطن أنها تحاربها وتدمغ كل معارضيها بهذه التهمة.
خامسا: التلويح بأن نصف الفلسطينيين يوافقون على الرؤية الإسرائيلية ومن ثم فهي لا تقتل شعبا وإنما تؤيد مجموعة ضد أخرى.
سادسا: استغلال التشرذم والضعف العربي لتمرير ما تشاء خاصة مع اقتراب الانتخابات واعتبار قضية المقاومة محور الصراع بين الأحزاب.
سابعا: الربط الكامل بين حماس وحزب الله وسورية وإيران لإسكات أية معارضة من أمريكا، وتشتيت العرب عن مواجهة العدو الحقيقي.
ثامنا: الضغط الكامل على أمريكا التي أثبتت أحداث الأعوام العشر الماضية أنها الطرف الذي يخنع ويقدم التنازلات لليهود. وقد ظهر ذلك واضحا في سكوت أوباما سكوتا مريبا يشي بأن القضية ليست في جورج بوش الراحل قريبا عن البيت الأبيض وإنما هي قضية علاقة استراتيجية بين كيان مزروع في أرض غيره يدعمه مارد لا يميز ولا يعدل هو أمريكا.
ولذلك كان التناول الإعلامي الغربي نتيجة طبيعية لهذا النشاط الذي قابله غياب عربي واضح وضعف تأثير لا مثيل له بسبب فقد العرب كثيرا من أوراق القوة والضعف بعدما حدث في العراق وأفغانستان.
فالصحافة الأوروبية والأمريكية تتحدث عن عدة اعتبارات:
أولا: أنها حرب حضارية، يعتبر الجانب الإسرائيلي فيها ممثلا للحضارة وهو حديث مقيت في توقيت عجيب.
ثانيا: أن إسرائيل لديها الحق في أن تدافع عن نفسها.
ثالثا: أن إسرائيل زرعت لتبقى، بل ولكي تتولى قيادة هؤلاء "المتخلفين".
رابعا: أنه رغم المذابح وقتل الأطفال (ثلث الضحايا) والنساء (ثلث الضحايا) فإن العرب مجرمون ويحاولون التأثير في الرأي العام، وصدرت عناوين رئيسية تقول "لا تلعبوا يا عرب بورقة غزة".
خامسا: تساؤلات أوروبية (الديلي تلجراف – الجارديان – لوفيجارو) لماذا لا يرضخ العرب لميزان القوى، والقبول بمهيمنة الأقوى الذي يفعل كل شيء.
سادسا: ترديد الموقف المخزي للكونجرس الذي كشف وجهه الصهيوني القبيح والأمم المتحدة التي ظهر للمرة المائة أن سكرتيرها العام موظف أمريكي يردد بالحرف الواحد ما تمليه إسرائيل وواشنطن على مسامعه. والإعلام الغربي يعتبر الأمين العام للأمم المتحدة والكونجرس مصادر ومؤسسات جديرة بالترويج وإن نطقت الظلم والكفر بعينه.
ويقف مراقبون موضوعيون موقف المتسائل:
لماذا جندت واشنطن كل جيوشها الإعلامية (وينبغي ألا يصدق أحد أسطورة الحرية الإعلامية) لتدعيم الموقف الإسرائيلي ومساندة السفاح ضد الأبرياء وتجاهلت صرخات الأطفال والدماء التي تنهمر كل صباح في حين أن حربا أهلية متكافئة بين عملائها في دارفور وبين الحكومة السودانية أفقدتها صوابها وهرعت لتأديب السودان، وإعلان رئيسه متهما بارتكاب المذابح الجماعية. ولم يحركها ما يجري تحت أعينها صباح مساء من إبادة في غزة لم ترحم المنظمات الدولية؟
لماذا تتجاهل إسرائيل قرارات الأمم المتحدة إذا لم تكن على هواها؟
القصة مكررة، والأوراق مغلوطة، والمعسكر العربي ضائع وليس لديه أكثر من المناشدة.
غير أن التاريخ لن يرحم هؤلاء، فاليهود الذين ملأوا العالم عويلا بما سموه "المحرقة" يمارسون ما هو أبشع، وهم يريدون العالم مؤيدا لهم عندما يمارسون جرائمهم وعندما تمارس عليهم في آن واحد. فغياب الشعور بالعدالة لدى الإسرائيليين هو الذي دفع خمس دول إلى طردهم من أراضيها، لقد طردهم الروس، والإسبان، والإنجليز، والفرنسيون، والألمان، وسباهم البابليون، ولم يقف معهم إلا المسلمون.
إن الأيام دوارة، ولا جدال أن يوم الثأر منهم قادم، والدماء الزكية البريئة ستتحول إلى سيوف بتارة، بل وسوف تفيق الضحايا وتذكرهم بمقولة نسبت لهتلر عندما قال:
لقد قتلت بعض اليهود ولكني تركت الباقي ليعرف العالم كم كنت محقا في قتلهم!
إن على زعماء إسرائيل أن يدركوا أخيرا أنهم نجحوا في إيقاظ العرب وأن قوانين الحياة تقول إن باطش اليوم هو ضحية الغد، وإن الثأر التاريخي حقيقة لن ينجو منها أحد. إن إسرائيل في مطالبتها الجميع بالسلام والاستسلام أسدت خدمة رائعة لجموع العرب ولأجيال كادت تسكر بخمر أوهام السلام بأن عرفوها على حقيقتها، ونذكرها أن الصليبيين استمروا على أرض العرب 103 سنوات، خرجوا بعدها مدحورين إلى الأبد في عهد السلطان المملوكي محمد قلاوون.
أما وسائل الإعلام الغربية فهي قنوات إعلانية لمن يدفع وحسنا فعلت عندما بددت ما تردده من أناشيد الموضوعية وأغاني العدالة وترانيم الحق، ذلك أن ظهور الحقائق الشفافة هو البداية لاسترجاع الحقوق