«إنها حرب أشباح. لا نرى مقاتلين بالعين المجردة، لكنهم سرعان ما يندفعون صوبنا من باطن الأرض. إنهم يخرجون لنا من أعماق الأرض. إننا نتحرك على الأرض، ونحن نشعر أن أسفلَ منا مدينة تحت أرضية». هذا هو جزء مما جاء على لسان النقيب ميكي شربيط، قائد سرية في سلاح المدرعات الإسرائيلية، في تقرير نشرته صباح أمس النسخة العبرية لموقع صحيفة «يديعوت أحرنوت» على شبكة الإنترنت.
شهادة شربيط الذي ترك ساحة المواجهات بعدما أصيب في مواجهة مع عناصر كتائب «القسام» ـ الجناح العسكري لحركة حماس في منطقة العطاطرة، اقصى شمال غربي قطاع غزة، تشير الى الدور الكبير الذي تلعبه الأنفاق كجزء من الخطة الدفاعية التي تعتمدها «القسام»، في مواجهة التوغل الإسرائيلي. وتحدث شربيط عن الفزع الذي يشعر به الجنود من عمليات الاختطاف عبر هذه الأنفاق. وهناك ما يبرر المخاوفَ التي يتحدث عنها الضابط الإسرائيلي هناك. ففي اليوم الثاني للعدوان البري الاسرائيلي على قطاع غزة، وأثناء قيام سرية من وحدة مختارة في لواء الصفوة «غولاني» بعمليات تمشيط في أحد المنازل شرق مخيم جباليا، شمال غزة، فوجئ أحد الجنود الذي كان يفتش إحدى الغرف في المنزل باثنين من مقاومي حماس يندفعان من حفرة في قلب الغرفة ويحاولان الإمساك به ودفعه نحو الحفرة التي كانت تؤدي الى نفق، إلا أنه أفلت من الأسر بعد تدخل زملائه الذين استدعوا طائرة هليكوبتر عسكرية من طراز «أباتشي». ويتضح من التقييمات العسكرية الإسرائيلية أن تحرك مقاتلي حماس عبر الأنفاق في ساحات المواجهة بات يقلص تأثير طائرات «الأباتشي» وطائرات الاستطلاع الإسرائيلية على استهدافهم أثناء المواجهات. ولعل الذي يدلل على ذلك هو ما حدث لعناصر وحدة «خوريف»، وهي إحدى وحدات النخبة التي كلفت عمليات تمشيط في الأراضي الزراعية الواقعة شرق مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة الخميس الماضي. فقبيل عملية التوغل، قامت طائرات الاستطلاع بدون طيار وطائرات الأباتشي بعمليات تمشيط واسعة النطاق، فضلاً عن قيام المدفعية بقصف المنطقة لضمان طرد المقاومين الذين يُفترض أنهم في المنطقة، علما بأنها من المناطق ذات الكثافة السكانية الضئيلة جداً، وبعد أن أنهت الطائرات والمدفعية ما قامت به، توغل في المنطقة عناصر وحدة «خوريف»، وأثناء قيامهم بعمليات تمشيط في أحد البيوت، فوجئوا بخروج مقاومين من باطن الأرض وأطلقوا قذائف عليهم ليقتل ويجرح عدد من الجنود، بينهم قائد الوحدة.
وتقر «القسام» بأنها تعتمد على الأنفاق في مواجهة الجيش الإسرائيلي الذي يحاول التوغل في عمق مدينة غزة. واكد أبو عبيدة، الناطق بلسان كتائب القسام، أول من امس أن مجموعات ممن سماهم «الاستشهاديين الأشباح» تختبئ داخل أنفاق حتى لا تكشفها القوات الاسرائيلية، الأمر الذي يمكنها الانقضاض عليها من الخلف. وأردف قائلاً «الأشباح الاستشهاديون عبارة عن مجموعات من الاستشهاديين الذين تدربوا تدريبات خاصة، وترابط لعدد من الأيام مختبئة في الأماكن المفتوحة التي كان من المتوقع أن يتوغل فيها جيش الاحتلال فيها لتباغت الصفوف الخلفية للعدو وتربك صفوفه». واحتاط الجيش الإسرائيلي بشكل مكثف للأنفاق، حيث أن عناصر الهندسة الميدانية المعروفة بـ«يهلوم» ترافق كل وحدات الجيش التي تتوغل في قطاع غزة، حيث يتولى عناصر «يهلوم» فحص المنطقة والتأكد من خلوها من الأنفاق المفخخة وتفجيرها في حال وجدت. وقبل العدوان، أجرى عناصر وحدة «يهلوم» تدريبات واسعة في منطقة تسئيليم، في عمق النقب جنوب اسرائيل على كيفية التعامل مع الأنفاق. وكشف التلفزيون الإسرائيلي النقاب عن أن التدريبات التي قامت بها هذه الوحدة «يهلوم» استمرت 16 شهراً، مشيرا الى أن الجيش الإسرائيلي يفترض أن «القسام» حفرت 600 نفق؛ الكثير منها مفخخ، بهدف إلحاق الضرر بالجنود الاسرائيليين عند اقتحام القطاع. وافترض الجيش الإسرائيلي أن حماس ستعتمد على الأنفاق بشكل أساسي في ضرب القوات الاسرائيلية المتوغلة عبر تفخيخها وتفجيرها، فضلاً عن استخدامها في اختطاف الجنود وتمكين عناصر جهازها العسكري من التحرك خلال المواجهات.