هزة في أرض غزة
للشيخ/ محمد بن صالح المنجد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد غضب على اليهود ولعنهم، وهو سبحانه وتعالى قد أخبرنا في كتابه العزيز ماذا يفعل هؤلاء المجرمون، أخبرنا عز وجل أنهم ملعونون أينما ثقفوا، هؤلاء قتلة الأنبياء، يسعون في الأرض فساداً، وهذه من أبرز سماتهم، يسارعون في الإثم والعدوان، كلما عاهدوا عهداً نبذه فريقٌ منهم، يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، يحرفون الكلم عن مواضعه، أشد الناس عداوةً للذين آمنوا، وهم أحرص الناس على حياة، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه، ولذلك كان جزاؤهم أن الله لعنهم بكفرهم، وجعل قلوبهم قاسية، وضرب عليهم الذلة والمسكنة، وألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وقد باؤوا بغضبٍ من الله، فأمر الله هذه الأمة أن تعلن غضب الله عليهم يومياً، نهاراً وليلاً في هذه الصلوات التي تتلى فيها سورة الفاتحة، إعلاناً من المسلمين بهذه الأمة الغضبية التي غضب الله عليها، وصار عملها في كل وقتٍ وحين الإفساد في الأرض، لعنهم الله وهم في كل وقتٍ يخربون ويهدمون، وكلما تمادى الزمان ومرت الأعوام تبين فساد هذه الجرثومة زيادةً بزيادة، طغياناً في الأرض ومكراً، وقتلاً لعباد الله وحرقاً، لم يرحموا وليداً، ولا امرأة، ولا شيخاً، لا كبيراً ولا صغيراً.
هؤلاء الذين خرقوا حتى حرمة السبت لديهم بهذا العدوان الذي قاموا به في يوم السبت الماضي، وإذا كان الله تعالى قد ذكر في كتابه: {وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ} (154) سورة النساء، فنهاهم عن الصيد والعدوان فيه، نهاهم عن صيد السمك ابتلاءً لهم، وهم يصطادون الآدميين اليوم، وكان من نتيجة خرقهم لحرمة السبت فيما أخبرنا الله أنه مسخهم، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (65) سورة البقرة.
وإذا كان اليهود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد كان فيهم شيءٌ من الحذر من فعل شيء في يوم السبت، فإن يهود اليوم لا حرمة لديهم للسبت في دينهم حتى.
وقد روت كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا حاصر يهود بني قريظة خمساً وعشرين ليلة، وجهدهم الحصار، نصحهم زعيمهم كعب بن أسد قائلاً: إن الليلة ليلة السبت، وعسى أن يكون محمدٌ وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا -عنصر المباغتة- لعلنا نصيب من محمدٍ وأصحابه غرةً، فقالوا له بقية اليهود: نفسد سبتنا علينا ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا، إلا من قد علمت -يعني من الممسوخين- فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ، فكفوا، لكن يهود اليوم لم يكفوا، وصار عدوانهم في يوم السبت وهو حرامٌ عندهم، فحتى دينهم الباطل لم يحترموه، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (30) سورة الأنفال.
ومصداقاً لما أخبر الله به من عداوة اليهود للمؤمنين، وأنها تاريخية مستمرة إلى قيام الساعة، لا تهدأ حتى يقاتل آخرهم مع الدجال، هذه الحقيقة التاريخية التي يتغافل عنها الذين يظنون بأن اليهود يمكن عقد معاهدات معهم، أو أن نعيش معهم في سلام، حقدهم دفين، عداوتهم عظيمة، {بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (118) سورة آل عمران، فقاموا بجريمتهم النكراء، في هذه المجزرة التي حصدت المئات من قتلى المسلمين، والآلاف من جرحاهم، لا تزال أروقة المجمعات الطبية مليئة بالمصابين، والأشلاء الممزقة تملأ الطرقات، وبعض الجثث بين الأنقاض قصفت مرتين، فلم يكفي اليهود أن يقصفوها مرة، وهذه الأجساد للأطفال المبعثرة، والرؤوس المقطعة، وأجساد بلا رؤوس، وثلاجات الموتى التي عجزت عن استيعاب أعداد القتلى، قتل اليهود الذي لم يوفر طواقم الإسعاف، ولا سياراته.