النعماني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

النعماني

بوابة كل العرب
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
jamal
عضو مهم
عضو مهم
jamal


عدد الرسائل : 231

ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Empty
مُساهمةموضوع: ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة   ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Icon_minitimeالأحد مايو 18, 2008 4:41 pm

1 – حكاية الحصان المغدور

في الخامس عشر من أيار (مايو)، وقبل 59 سنة أربعة يبللهم دمعهم خرجوا من بيتهم الخاص الى الجحيم: رجل وامرأة وطفل و... حصان. هاجم الصهاينة القرية، وألقت طائرة بقنابلها على الناس. لقد أقنع الرجل زوجته وطفله بالخروج. لقد وعدهم قائلاً انه سيعود بهم الى القرية بعد يوم او يومين. المشكلة لم تكن مع الزوجة ولا مع طفلها. المشكلة كانت مع الحصان الذي أخذ ينشج بدمع غزير، وكان كلما مشى خطوةً الى الأمام عاد خطوتين الى الخلف. كان لا بد من ابتكار حيلة ما كي يرضى الحصان ويطيع الأوامر، فالطريق طويلة ومرهقة، وفوق ذلك فهي غامضة ومحفوفة بالأخطار. هنا أخذ الرجل بتدليل حصانه، ولا يعرف أحد بماذا أسرّ له من كلام أو بماذا وعده. فقد خف بكاء الحصان، ومشى.



بعد نصف ساعة من المشي، وفي منطقة شديدة الخطورة بسبب وجود جرف عظيم بجانب الطريق قرر الحصان نقض الاتفاق. لقد تمرد على أوامر الرجل، فمد عنقه ورفع قائمتيه الأماميتين في الفضاء، واستدار نصف استدارة. في هذه اللحظة أدرك الرجل أن الأمور وصلت الى نهاياتها، فالحصان من جهة لن يسير معهم خطوة واحدة، ومن جهة أخرى فإن عودة الحصان ستشكل كارثة. في هذه اللحظة الغامضة المفتوحة على الوعي المطلق وربما الجنون، استجمع الرجل كل قواه واندفع باتجاه الحصان، ليعالجه بضربة صاعقة، ضربة جعلته يترنح ويسقط بعيداً في الجرف.

هذه الحكاية ما زالت محفورة في رأسي. وقد سُرِدت على مسامعي مراراً من جانب الأب والأم والطفل الذي هو أخي الكبير. ولكن يبدو أن هناك ثمة مشكلة أساسية كانت تعاني منها الحكاية، ففي البداية كانت تُروى لي على صورة واحدة، ثم أصبحت تروى بصور متعددة. مثلاً أصبح الأب يرفض قصة قتله للحصان. كان يقول هذه أشياء مختلقة على لساني، فقد ظل الحصان معنا الى نهاية الرحلة، ومات بعد سنتين من النكبة. أحياناً كان يقال لي ان الحصان لم يمت في تلك الواقعة، وأن أبي نسي القذائف التي كانت تتساقط وخاطر بنفسه بالهبوط في الجرف، حيث ساعد الحصان على النهوض وعالجه في ما بعد من الجراح والكدمات التي أصيب بها.

أنا! لم يكن لدي حصان وقت النكـــــبة، فقد مات قبل ســـنة من الخروج، صار يقول أبي، ويضيف أنا لا أعرف مصدر هذه الروايات المتناقلة، والتي ارجّح ان أخاك الكبير يقوم بتــــرويجها. ولا تنس، يضيف أبي، أن عمر أخيك في ذلك الوقت لم يكن ليتجاوز الأربع سنوات، وهو عمر يؤهله لسرد الوقائع وتأليفها كما يشتهي!

> 2 – رماد البيت!

في صيف عام 1998، أي بعد خمسين عاماً من الخروج قام أخي الكبير نفسه برحلة مكوكية الى البيت. كان قد ذهب الى الضفة من خلال تصريح زيارة، وانتهز الأيام القليلة المتبقية له في التصريح ليعود أدراجه الى البيت متتبعاً طريق الحصان على حد زعمه.

وقد اعترف قائلاً: «ذاكرتي لم تكن لتسعفني، فخمسون عاماً لم تكن جرة قلم لتجعلني أتذكر تلك الطريق التي قطعناها في الطفولة. لقد تغيرت ملامح الطبيعة، وفي ظل حالة الوحشة التي تعيشها الأرض هاج كل شيء فيها ونما في شكل جنوني، لقد استعادت الأعشاب والأشواك الطرق والممرات التي كانت قائمة ومحتها. لهذه الأسباب استعنت بأحد شيوخ القرية ليكون مرافقي ودليلي الى البيت.

من كتف القدس الى نواحي اللد حيث تقوم قرية البويرة قطعنا الطريق مشياً على الأقدام، تارة كنت أستعين بخبرة الشيخ، الذي كان يعرّفني بالأمكنة، وتارة أخرى كنت أندفع بنشاط تحركني حدوس خفية كواحد من كائنات الأرض الكثيرة التي بقيت تعيش على هواها طوال هذه المدة الطويلة. خمسون سنة هي عمر هذه النكبة ذابت دفعة واحدة، وحين وصلنا منطقة الجرف التي وقعت فيها حكاية الحصان، وجدتني أستعيد تفاصيلها كأنها حدثت البارحة.

فجأةً صاح بي الشيخ بحماسة نحن في القرية. ولكنني لم أشاهد بيوتاً، كل ما كان هناك كان عبارة عن سحابة هائلة من الخضرة، أشجار عملاقة اشتبكت أغصانها، وشكلت ما يشبه المظلّة. نباتات وأزهار برية مشوشة أطلت بدروعها الخضراء كأنها تبارز العزلة. أين خروبة أبي العباس هتفت بالشيخ! أين بيتنا! أين بيت جدي! أين بيت عمي! لم يجب الشيخ، وانخرطنا في نوبة من البكاء الحاد.

لا أعرف كيف قادتني قدماي الى البيت. بالصدفة وجدتني واقفاً على أطلاله، ولم أتبين منه شيئاً. كانت حجارته قد سُوّيت بالأرض ونبت لها ريش كثيف أخضر. الحجر الوحيد المتبقي منه كان أنا، الحجر الوحيد الذي لم يمسسه سوء ومسّه كل خراب الدنيا كان أنا. رحت أضرب في المكان على غير هدى وأتشمم روائح الأشياء، والصرخات القديمة، وعلى حين غرة تحسست ندبة في جبيني، وتذكرت سقوطي عن خروبة أبي العباس التي بجوار بيتنا.

يا إلهي هتــفت، أين مضت حياتي! لقد صارت مرتع خيـــبات، وها أنا أخلّفها ورائي كومة أيام ممــــزقة. شو بدي بالأولاد. الله يخلي البلاد، رحت أحـــرّف كلام فيروز وأدندن لحن أغنيتها. هذا هو بيتنا بحـــجراته الأربع! هنا كنت أعيش، ألعب أنام وأصحو! فأي حماقة ارتكبها التاريخ؟ أي جريمة اقترفتها الإنسانية بحقي!».

عند هذه النقطة من اللاجدوى وفقدان اليقين أنهى عصير الذي هو أخي الكبير سرد فصول رحلته الغرائبية الى البيت. ولكن الجانب المثير من الحكاية لم ينته بعد، خصوصاً أنني دخلت من حيث لا أدري في خضمّ تلك الحكاية المروّعة. حين عاد أخي الى عمان كان قد أحضر معه كيساً مملوءاً بالزعتر، وحين زرته قال لي هذه هي هديتك فخذها. كانت الهدية عبارة عن صُرّة صغيرة من الزعتر. قال وهنا بيت القصيد: لقد قطفت هذا الزعتر الذي بين يديك من بين حجارة البيت. عندها أصابتني رجّة عظيمة وكدت أسقط.

أخذت صرة الزعتر ورحت أتشممها كمن يتشمم روائح الجـــنة. عند ذلك تذكرت بعض الحكايات التي كانت تحدث أيام الحرب العالمية الثانية، والخاصة بأُسر المفقودين التي تتلقى تباعاً طروداً بريديةً هي عبارة عن رماد أبنائها المغدورين. لقد كدت أُجَن وأنا أتحسس الصرة التي فيها رماد البيت!

شاعر فلسطيني.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
@أعقل مخبولة@
عضو من كبار الكتاب
عضو من كبار الكتاب
@أعقل مخبولة@


عدد الرسائل : 532

ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة   ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Icon_minitimeالخميس مايو 22, 2008 7:34 am

شكرا عل موضوع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جمال




عدد الرسائل : 2
الموقع : http://hayat.forumotion.net

ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة   ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Icon_minitimeالخميس مايو 22, 2008 9:14 am

شكرا على هذا الموضوع الرائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://hayat.forumotion.net
غالب النعماني
عضو من كبار الكتاب
عضو من كبار الكتاب
غالب النعماني


عدد الرسائل : 569
العمر : 48

ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة   ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Icon_minitimeالجمعة مايو 23, 2008 9:14 am

تقبل مروري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alnhmani.hooxs.com
ذات النطاقين
عضو مهم
عضو مهم
ذات النطاقين


عدد الرسائل : 316
العمر : 44

ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة   ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة Icon_minitimeالسبت مايو 24, 2008 9:44 pm

جزاااااااااااااااااااك الف خير عل موضوووووووووووووووووووووووووووووووع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ستون عاماً على النكبة ... شظايا ذاكرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
النعماني :: سباسة الوطن العربي-
انتقل الى: